إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرحمة

          5998- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الفِريابيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ هِشَامٍ، عَنْ) أبيه (عُرْوَةَ) بنِ الزُّبير (عَنْ عَائِشَةَ ♦ ) أنَّها (قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلعم ) قال الحافظ: يحتملُ أن يكون هو الأقرعُ بن حابس، ووقع مثل ذلك لعُيينة بن حِصْن أخرجه أبو يَعلى الموصليُّ بسندٍ رجاله(1) ثقاتٌ. وفي «كتاب الأغاني» لأبي الفرج الأصبهانيِّ بإسناده عن أبي هريرة أنَّ قيس بن عاصمٍ دخل على النَّبيِّ صلعم وذكر قصَّةً شبيهةً بلفظ حديث عائشة، ويحتمل التَّعدد (فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ) بحذف أداة الاستفهام، وللكُشميهنيِّ: ”أتقبلون“ (الصِّبْيَان؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ) وعند مسلم: فقال: «نعم» قال: لكنَّا ما نقبِّل (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : أَوَ أَمْلِكُ لَكَ) بفتح الواو، والهمزة الأولى للاستفهام، والواو للعطف‼ على مقدَّر بعد الهمزة نحو: «أومخرجيَّ هم» [خ¦4953] (أَنْ نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ) بفتح الهمزة مفعول «أملك» أي: لا أقدر أن أجعل الرَّحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه. وقال الأشرف _فيما نقله في «شرح المشكاة»_: يروى «أَنْ» _بفتح الهمزة_ فهي مصدريَّة، ويقدَّر مضافٌ، أي: لا أملكُ لك دفعَ نزع الله من قلبك الرَّحمة. وقال الشَّيخ نور الدِّين البُحَيري: ويحتملُ أن يكون مفعول أملك محذوفًا، وأنَّ «نزع» في موضعِ نصبٍ على المفعول لأجلهِ على أنَّه تعليلٌ للنَّفي المستفادِ من الاستفهامِ الإنكاريِّ الإبطاليِّ، والتَّقدير لا أملكُ وضعَ الرَّحمة في قلبكَ لأن نزعها الله منه، أي: انتفى ملكي لذلك لنزعِ الله إيَّاها من قلبكِ. ويروى بكسر الهمزة شرطًا وجزاؤهُ محذوفٌ، وهو من جنس ما قبله، أي: إنْ نزع الله من قلبك الرَّحمة لا أملكُ ردَّها لك، لكن قال الحافظُ ابن حجرٍ: ”أنَّها“ بفتح الهمزة في الرِّوايات كلِّها. انتهى.
          وقول صاحب «التَّنقيح»: والهمزة، أي: في «أو أملك» للاستفهام التَّوبيخيِّ، أي: لا أملكُ لك. تعقَّبه في «المصابيح» بأنَّها لو كانت للتَّوبيخ لاقتضتْ وقوع ما بعدها لا نفيه، أي: نحو: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}[الصافات:95] {أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ}[الأنعام:40] وإنَّما هي هنا للإنكارِ الإبطاليِّ المقتضِي أن يكون ما بعدهَا غير واقعٍ، وأنَّ مُدَّعيه كاذبٌ نحو {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا}[الإسراء:40] {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ}[الصافات:149] والمعنى هنا لا أملكُ لك جعل الرَّحمة فيك(2) بعد أنْ نزعها اللهُ من قلبكَ.
          وهذا الحديثُ من أفراده.


[1] في (د): «بسند له».
[2] قوله: «فيك»: ليس في (د).