إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من يلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن

          5995- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكمُ بنُ نافع قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابنُ أبي حمزة الحافظ أبو بشر الحمصيُّ مولى بني أميَّة (عَنِ الزُّهريِّ) محمَّدِ بن مسلمٍ، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ) أي: ابن محمَّد بن عَمرو بن حزم (أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ) بنِ العوَّام (أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ) ♦ (زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا) ولأبي ذرٍّ: ”ومعها“ (ابْنَتَانِ) لها. قال الحافظُ ابن حجرٍ: لم أقفْ على أسمائهنَّ (تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا) إيَّاها (فَقَسَمَتْهَا) بسكون المثناة الفوقية (بَيْنَ ابْنَتَيْهَا) وفي رواية مسلم من طريق عراكِ بن مالكٍ، عن عائشة: فأطعمتْها ثلاثَ تمراتٍ فأعطتْ كلَّ واحدةٍ منهما تمرةً، ورفعتْ تمرةً إلى فِيْها لتأكلها فاستطعمتْها ابنتاها، فشقَّت التَّمرة الَّتي كانتْ تريدُ أن تأكلَها. فيحتملُ في طريقِ الجمع أنَّ قولها في حديثِ عروة: فلم تجدْ عندِي غيرها، أي: في أوَّل الحال سوى واحدة فأعطتْها(1)، ثمَّ وجدتْ اثنتين، أو لم تجدْ عندي غيرَ واحدةٍ أخصُّها بها، أو يحملُ على التَّعدُّد (ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ) من عندي (فَدَخَلَ) عليَّ (النَّبِيُّ صلعم فَحَدَّثْتُهُ) بخبرها (فَقَالَ) ╕ : (مَنْ يَلِي) بالتَّحتية المفتوحة من الولايةِ (مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئًا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”من بُلي“ بموحدة مضمومة من الابتلاء من هذه البناتِ بشيءٍ.
          قال في «شرح المشكاة»: وهذه إشارةٌ إلى جنسهنَّ. وقال في «فتح / الباري»: واختلف في المراد بالابتلاءِ هل هو نفس وجودهنَّ، أو ابتُلي بما يصدر منهنَّ؟ وهل هو على العمومِ في البنات؟ أو المرادُ من اتَّصف منهنَّ(2) بالحاجة إلى ما يُفعل به. وقال النَّوويُّ: إنَّما سمَّاهنَّ ابتلاء لأنَّ النَّاس‼ يكرهونهنَّ في العادةِ، قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}[النحل:58] (فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ) فيه إشعارٌ بأنَّ المراد من قولهِ: «من هذه» أكثرُ من واحدةٍ، فالإشارةُ للجنسِ كما مرَّ، وفي حديث ابن عبَّاس عند الطَّبرانيِّ فقال رجلٌ من الأعرابِ: واثنتين(3)؟ فقال: «واثنتين». وفي حديث أبي هريرة قلنا: وواحدة؟ قال: «وواحدة». وزاد ابن ماجه «وأطعمهنَّ وسقاهنَّ وكساهنَّ». وفي الطَّبرانيِّ من حديث ابن عبَّاس «فأنفق عليهنَّ وزوجهنَّ(4) وأحسنَ أدبهنَّ». وفي رواية عبد الحميد(5) «فصبر عليهنَّ» (كُنَّ لَهُ سِتْرًا) أي: حجابًا (مِنَ النَّارِ) وفيه تأكيدُ حقوقِ البنات لِمَا فيهنَّ من الضَّعف غالبًا عن القيامِ بمصالح أنفسهنَّ بخلاف الذُّكور.
          والحديث أخرجهُ مسلمٌ في «الأدب»، والتِّرمذيُّ في «البرِّ».


[1] في (ب) و(س) و(د): «فأعطيتها».
[2] قوله: «منهن»: ليس في (د).
[3] في (د): «أو اثنتين».
[4] في غير (د): «وزجهنَّ».
[5] في غير (ب) و(س): «المجيد»، كذا في «الفتح» وسنن الترمذي.