إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث أبي موسى: والله لا أحملكم على شيء

          6678- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (مُحَمَّدُ بْنُ العَلَاءِ) بفتح العين المهملة والمدِّ، ابن كُريبٍ، أبو كُريبٍ الهَمْدانيُّ الكوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) حمَّاد بنُ أسامة (عَنْ بُرَيْدٍ) بضم الموحدة وفتح الراء، ابنِ عبد الله (عَنْ) جدِّه (أَبِي بُرْدَةَ) بضم الموحدة وسكون الراء، عامر أو الحارث (عَنْ) أبيهِ (أَبِي مُوسَى) عبد الله بنِ قيس الأشعريِّ ☺ ، أنَّه (قَالَ: أَرْسَلَنِي أَصْحَابِي) الأشعريون (إِلَى النَّبِيِّ صلعم ) عندَ إرادةِ غزوةِ تبوك (أَسْأَلُهُ الحُمْلَانَ) بضم الحاء المهملة وسكون الميم، أي: أنْ يحملنَا على إبلٍ (فَقَالَ: وَاللهِ لَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَيْءٍ) زاد في «باب الكفَّارة»: «وما عندِي ما أحملُكم» [خ¦6718] وكذا هو في «باب لا تحلفُوا بآبائكُم» [خ¦6649] كما سبقَ (وَوَافَقْتُهُ) ╕ (وَهْوَ غَضْبَانُ) وفي «غزوةِ تبوك» [خ¦4415] «وهو غضبانُ ولا أشعرُ، ورجعتُ حزينًا من منعِ النَّبيِّ صلعم ومِن مخافةِ أن يكون النَّبيُّ صلعم وجدَ‼ في نفسهِ عليَّ، فرجعتُ إلى أصحَابي فأخبرتُهم الَّذي قال النَّبيُّ صلعم ، فلم ألبَثْ إلَّا سويعَةً؛ إذ سمعتُ بلالًا: أيْ عبدَ الله بن قيسٍ، فأجبتُه فقال: أجبْ رسولَ الله صلعم يدعوكَ» (فَلَمَّا أَتَيْتُهُ) صلعم (قَالَ: انْطَلِقْ إِلَى أَصْحَابِكَ فَقُلْ) لهم: (إِنَّ اللهَ) ╡ (أَوْ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم يَحْمِلُكُمْ) وفي «غزوةِ تبوك» [خ¦4415] «فلمَّا أتيتهُ قال: خذْ هذين القَرْينين وهذين القَرْينين لستَّةِ أبعرَةٍ ابتاعهُنَّ حينئذٍ(1) من سعدٍ، فانطلقْ بهنَّ إلى أصحابك فقلْ: إنَّ الله، أو إنَّ رسولَ الله صلعم يحملُكم على هؤلاءِ الأبعرَةِ...» الحديث بتمامه في «المغازي» [خ¦4415] بالسَّند المذكور هنا.
          وقد فهمَ ابنُ بطَّال / ⌂ عن البخاريِّ أنَّه نحا بهذهِ التَّرجمة لجهةِ تعليقِ الطَّلاق قبل ملكِ العصمةِ، أو الحرِّيَّة قبل ملك الرَّقبة، ونحو ذلك، كأنْ حلفَ على أن لا يهبَ أو لا يتصدَّقَ أو لا يعتقَ، وهو في هذه(2) الحالةِ لا يملكُ شيئًا من ذلك، ثمَّ حصلَ له فوهبَ أو تصدَّق أو أعتقَ(3)، فعندَ جماعةِ(4) الفقهاءِ تلزمُه الكفَّارة، كما في قصَّة الأشعريِّين، ولو حلفَ أن لا يهبَ أو لا يتصدَّقَ ما دامَ مُعْدمًا، وجعل العدمَ علَّةً لامتناعهِ من ذلك، ثمَّ حصلَ له مالٌ بعد ذلك لم تلزمْهُ كفَّارة إن وهبَ(5) أو تصدَّق؛ لأنَّه إنَّما أوقعَ يمينهُ على حالةِ العدمِ لا على حالةِ الوجود، ولو حلفَ أن يعتقَ ما لا يملكُه إنْ ملكَه في المستقبلِ، فقال مالكٌ: إن عيَّن أحدًا، أو قبيلةً، أو جنسًا لزمهُ العتقُ، وإن(6) قال: كلُّ مملوكٍ أملكُه أبدًا حرٌّ لم يلزمْه عتقٌ، وكذلك في الطَّلاق إن عيَّن قبيلةً أو بلدةً أو صفةً مّا، لزمهُ الحنْثُ(7) وإن لم يعيِّن لم يلزمْهُ. وقال أبو حنيفةَ وأصحابه: يلزمه الطَّلاق والعتقُ عمَّم أو خصَّص. وقال الشَّافعيُّ: لا يلزمه لا ما خصَّ ولا ما عمَّ.
          ويأتي مزيدٌ بحثٍ لهذا الحديث إن شاء الله تعالى في آخر هذا البابِ [خ¦6680] بعون الله تعالى(8).


[1] «حينئذ»: ليست في (ص).
[2] في (د): «تلك».
[3] في (ص): «عتق».
[4] في (ع) زيادة: «من».
[5] «إن وهب»: ليست في (د).
[6] في (د): «ولو».
[7] «الحنث»: ليست في (ص).
[8] «بعون الله تعالى»: ليست في (د).