الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم

          ░6▒ (باب: قتال الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجَّة عليهم...) إلى آخره
          وبسط الحافظ الكلام على تعريف الخوارج، وذكر شيئًا مِنْ معتقداتهم، فارجع إليه لو شئت، وقال أيضًا: قال الغزاليُّ في «الوسيط» تبعًا لغيره: في حكم الخوارج وجهان: أحدهما: أنَّه كحكم أهل الرِّدَّة، والثَّاني: أنَّه كحكم أهل البغي، ورجَّح الرافعيُّ الأوَّلَ، وليس الَّذِي قاله مطَّرِدًا في كلِّ خارجيٍّ، فإنَّهم على قسمين... إلى آخر ما ذكر.
          ولم أجد في «الفتح» هاهنا الكلام على شرح ترجمة الإمام البخاريِّ وتوضيح مراده، نعمْ تعرَّض لذلك العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ إذ قال: قالَ ابنُ بطَّالٍ: ذهب جمهور العلماء إلى أنَّ الخوارج غير خارجين مِنْ جملة المسلمين، واستنبط ذلك مِنْ ألفاظ الحديث، فارجع إليه.
          ثمَّ قالَ: وفي الحديث أنَّه لا يجوز قتال الخوارج وقتلُهم إلَّا بعد إقامة الحجَّة عليهم بدعائهم إلى الرُّجوع إلى الحقِّ، والإعذار إليهم، وإلى ذلك أشارَ البخاريُّ في التَّرجمة بالآية المذكورة فيها، واستدلَّ به لمَنْ قال بتكفير الخوارج، وهو مقتضى صنيع البخاريِّ في التَّرجمة حيث قرنهم بالملحدين، وأفرد عنهم المتأوِّلين بترجمة، واستدلَّ القاضي أبو بكر بن العربيِّ لتكفيرهم بقوله في الحديث: (يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ) وبقوله: ((أولئك هو شِرار الخلق)).
          وقالَ الشَّيخ تقيُّ الدِّين السُّبْكيُّ في «فتاويه»: احتجَّ مَنْ كفَّر الخوارجَ وغُلاة الرَّوافض بتكفيرهم أعلام الصَّحابة لتضمُّنه تكذيب النَّبيِّ صلعم في شهادته لهم بالجَنَّة، قال: وهو عندي احتجاج صحيح، وذهب أكثر أهل الأصول مِنْ أهل السُّنة إلى أنَّ الخوارج فُسَّاق، وأنَّ حكم الإسلام يجري عليهم لتَلَفُّظِهم بالشَّهادين، ومواظبتهم على أركان الإسلام، وإنَّما فَسَقُوا بتَكْفِيرهم المسلمين مستندين إلى تأويلٍ فاسدٍ، وجرَّهُم ذلك إلى استباحةُ دماء مخالفيهم وأموالهم والشَّهادةُ عليهم بالكفر والشِّرك.
          وقال القاضي عِياض: كادت هذه المسألة أن تكون أشدَّ إشكالًا عند المتكلِّمين مِنْ غيرها حَتَّى سأل الفقيهُ عبدُ الحقِّ أبا المعالي عنها، فاعتذر بأنَّ إدخال كافرٍ في الملَّة وإخراجَ مسلمٍ منها عظيمةٌ في الدِّين، وقال: وقد توقَّف قبله القاضي أبو بكرٍ الباقِلَّانيُّ، وقال: لم يصرِّح القومُ بالكفر، وإنَّما قالوا أقوالًا [لا] تؤدِّي إلى الكفر. وقال الغزاليُّ في كتاب «التَّفرقة بين الإيمان والزَّندقة»: الَّذِي ينبغي الاحترازُ عن التَّكفير ما وُجد إليه سبيلٌ، فإنَّ استباحة دماء المسلمين المصلِّين المقرِّين(1) بالتَّوحيد خطأٌ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهونُ مِنَ الخطأ في سفك دم مسلمٍ واحد. انتهى مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          وفي «الفيض»: وكان مالك يُفْتي بكفر الخَوارِجِ، والمُلحِدُون: هم الَّذِين يُؤوِّلونَ في ضرورات الدِّين لإِجْرَاءِ أَهْوَائِهم. انتهى.
          وفي «هامش المصريَّة»: الخوارج هم الَّذِين خرجوا عن الدِّين، وعلى عليٍّ بن أبي طالب في قصَّته مع معاوية، وقوله: (والملحدين) أي: المائلين عن الحقِّ إلى الباطل، وقوله: (بعد إقامة الحجَّة عليهم) أي: بإظهار بطلان دلائلهم. انتهى.
          ثمَّ لا يَخفى عليك ما اشتُهر في كتب فقهنا أنَّ مَنْ كان فيه تسع وتسعون وجهًا مِنَ الكفر ووجهٌ مِنَ الإسلام أنَّه لا يُحكم عليه بالكفر، تكلَّم عليه صاحب «الفيض» وبيَّن ما هو المراد [به]، فارجع إليه لو شئت. /


[1] في (المطبوع): ((والمقرين)).