الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}

          ░13▒ (باب: قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} إلى آخره [المائدة:38])
          ذكر المصنِّف في الباب ثلاث مسائل: الأولى: بقوله: (وفي كم تُقطع؟) أي: مقدار السَّرقة الموجِب للقطع، وهي خلافيَّة شهيرة، ذكر فيه في «الأوجز» عن الزَّرقانيِّ تبعًا للحافظ قريبًا مِنْ عشرين مذهبًا. وذكر في «البذل» منها أحد عشر مذهبًا، ونذكر هاهنا مذاهب الأئمَّة الأربعة كما في «الأوجز» عن كتب فروعهم، فمذهب الإمام أحمد ما في «الرَّوض المربع»: ويشترط أيضًا أن يكون المسروق نِصابًا، ونِصاب السَّرقة ثلاثة دراهم خالصةً أو تخلص مِنْ مغشوشة، أو ربع دينار، أي: مثقال وإن لم يُضْرَب، أو عرضٌ قيمته كأحدهما، أي: ثلاثة دراهم أو ربع دينار لقوله ◙: ((لَاْ تُقْطَعُ الْيَدُ إِلاَّ فِي رُبُعِ دِينَارٍ)) رواه أحمد ومسلم، وكان ربع الدِّينار يومئذٍ ثلاثةَ دراهم، والدينار اثنا عشر درهمًا. انتهى.
          وأمَّا مذهب الشَّافعيِّ فربع دينار أو ما يبلغ قيمته مِنْ فضَّة أو عَرض، ومذهب مالكٍ قال الدَّرْدِير: تُقطع بسرقة ربع دينار شرعيٍّ، أو ثلاثة دراهم شرعيَّة خالصة مِنَ الغشِّ، أو بسرقة ما يساوي ثلاثة دراهم مِنَ العروض وغيرها، والتَّقويم بالدَّراهم لا بربع الدِّينار هو المشهور.
          وأمَّا مذهب الحنفيَّة فهو عشرة دراهم معروف. انتهى.
          قالَ العلَّامةُ العينيُّ: قالت الظَّاهريَّة: يُقطع في القليل والكثير ولا نِصاب له، وعند الحنفيَّة: عشرة دراهم، وعند الشَّافعي: ربع دينار، وعند مالك قدر ثلاثة دراهم. انتهى.
          وأمَّا المسألة الثَّانية وهي مَحَلُّ القَطْعِ، فذكر الحافظ فيه في «الفتح»: أربع مسالك للاختلاف في حقيقة اليد، فقيل: أوَّلها مِنَ المَنْكِب، وقيل: مِنَ المرفق، وقيل: مِنَ الكوع، وقيل: مِنْ أصول الأصابع، وأخذ بظاهر الأوَّل بعضُ الخوارج، ونُقل عن سعيد بن المسيِّب واستنكره جماعة، والثَّاني لا نعلم به مَنْ قال به في السَّرقة، والثَّالث: قول الجمهور، ونقل بعضهم فيه الإجماع، والرَّابع نقل عن عليٍّ، واستحسنه أبو ثور. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع».
          وأمَّا المسألة الثَّالثة في التَّرجمة فذكرها بقوله: (وقال قتادة...) إلى آخره، قالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ: قوله: (ليس إلَّا ذلك) فلا يقطع بعد ذلك يمينها، والجمهور على أنَّ أوَّل شيء يُقطع مِنَ السَّارق اليد اليمنى لقراءة ابن مسعود شاذَّةً: ▬فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا↨ فالقول بإجزاء الشِّمال مطلقًا شاذٌّ، كما هو ظاهر ما نُقل هنا عن قتادة. وفي «الموطَّأ»: إن كان عمدًا وجب القصاص على القاطع، ووجب قطع اليمنى، وإن كان خطأ وجبت الدِّية، وتجزئ عن السَّارق، وكذا قال أبو حنيفة، ثمَّ ذكر تفصيلًا في مذهب الشَّافعيِّة.
          وقالَ العينيُّ: وعن مالك [و] أبي حنيفة: / إذا غلط القاطع فقطع اليسرى أنَّه يجزئ عن قطع اليمين، ولا إعادة عليه، وعن الشَّافعيِّ وأحمد: على القاطع المخطئ الدِّية، وفي وجوب إعادة القطع قولان عند الشَّافعيِّ، وروايتان عند أحمد. انتهى.
          وذكر صاحب «الهداية» اختلاف الإمام أبي حنيفة وصاحبيه، فارجع إليه لو شئت.