الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ما جاء في ضرب شارب الخمر

          ░2▒ (باب: مَا جَاءَ فِي ضَرْبِ شَارِبِ الْخَمْرِ)
          اعلم أنَّ هاهنا عدَّة مسائل ممَّا يتعلَّق بالخمر وغيرها مِنْ أنواع الأشربة، تقدَّم الكلام عليها في كتاب الأشربة ومنها اختلافهم في مقدار حدِّ الخمر، وهو المذكور هاهنا في التَّرجمة، وظاهر لفظ التَّرجمة أنَّ المصنِّف على أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يجعل فيه حدًّا معلومًا.
          قالَ الحافظُ: والَّذِي تحصَّل لنا مِنَ الآراء في حدِّ الخمر ستَّة أقوال: الأوَّل: أنَّ النَّبيَّ صلعم لم يجعل فيها حدًّا معلومًا، بل كان يقتصر في ضرب الشَّارب بما يليق به، قالَ ابنُ المنذر: قال بعض أهل العلم: ((أُتِيَ النَّبيُّ صلعم بِسَكرانَ، فأَمَرَهُم بضَرْبِه وتَبْكِيْتِه)) فدلَّ على ألَّا حدَّ فيه، بل فيه التَّنكِيل والتَّبْكِيت، قالَ الحافظُ: وأظنُّ أنَّ هذا هو رأي البخاريِّ فإنَّه لم يترجم بالعدد أصلًا، ولا أَخْرَجَ هاهنا في العدد الصَّحيح(1) شيئًا. ثمَّ ذكرَ الحافظُ ما بقي مِنَ الأقوال الخمسة في ذلك.
          قالَ النَّوويُّ في «شرح مسلم»: واختلف العلماء في قدر حدِّ الخمر، فقالَ الشَّافعيُّ وأبو ثور وأهل الظَّاهر وآخرون(2): حدُّه أربعون، قالَ الشَّافعيُّ ☺ (3): وللإمام أن يبلغ به ثمانين، وتكون الزِّيادة على الأربعين تعزيرات، ونقل القاضي عن الجمهور مِنَ السَّلفِ والفقهاء منهم مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق ⌠ أنَّهم قالوا: حدُّه ثمانون، واحتجُّوا بأنَّه الَّذِي استقرَّ عليه إجماع الصَّحابة، وأنَّ فِعل النَّبيِّ صلعم لم يكن للتَّحديد، وحجَّة الشَّافعيِّ وموافقيه أنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما جلد أربعين كما صُرِّح به في الرِّواية الثَّانية عند مسلم، وأمَّا زيادة عمر فهي تعزيرات، والتَّعزير إلى رأي الإمام إن شاء فعله وإن شاء تركه بحسب المصلحة، فرآه عمر ففعله، ولم يره / النَّبيُّ صلعم ولا أبو بكر ولا عليٌّ فتركوه، وأمَّا الأربعون فهي الحدُّ المقدَّر الَّذِي لا بدَّ منه. انتهى مختصرًا.
          قلت: وعن أحمد فيه روايتان ففي «الأوجز»: قالَ الموفَّقُ: عن الإمام أحمد في قدر الحدِّ روايتان، إحداهما: أنَّه ثمانون، بهذا قالَ مالكٌ وأبو حنيفة ومَنْ تَبِعَهم لإجماع الصَّحابة في زمن عمر، والرِّواية الثَّانية: أنَّ الحدَّ أربعون، وهو مذهب الشَّافعيِّ. انتهى مختصرًا.
          تنبيه: أفاد العلَّامة السِّنديُّ في الباب الآتي تحت قول عليٍّ: ((وذلك أنَّ رسُول الله صلعم لم يَسُنَّه)) ظاهره أنَّه لم يعيِّن قدرًا معيَّنًا، بل كان يضرب فيه ما بين أربعين إلى ثمانين، وعلى هذا فحين شَاوَر عمر الصَّحابة اتَّفَق رَأْيُهم على تقرير أَقْصَى المراتب، فانْدَفَع قولهم(4) أنَّهم زادوا في حدٍّ مِنْ حدود الله مع عدم جواز الزِّيادة في الحدِّ، والله تعالى أعلم. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((الصريح)).
[2] قوله: ((وآخرون)) ليس في (المطبوع).
[3] قوله: ((رضي الله عنه)) ليس في (المطبوع).
[4] في (المطبوع): ((توهم)).