الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه ولا عتاقة

          ░6▒ (باب: الخَطأ والنِّسْيَان في العَتَاقة والطَّلاق...) إلى آخره
          قال الحافظ: (ونحوه) أي: مِنَ التَّعليقات لا يقع شيء منها إلَّا بالقصد، وكأنَّه أشار إلى ردِّ ما رُويَ عن مالك أنَّه يقع الطَّلاق والعِتاق عامدًا كان أو مُخطئًا ذاكرًا كان أو ناسيًا، وقد أنكره كثير مِنْ أهل مذهبه، ووقوع الخطأ في الطَّلاق والعتاق أن يريد أن يلفظ بشيء غيرهما فيسبق لسانُه إليهما، وأمَّا النِّسيان ففيما إذا حَلف ونسي. انتهى.
          وفي «هامش اللَّامع»: اختلفت الأئمَّة في فروع هاتين المسألتين، كما بسط في «شروح البخاريِّ» و «الأوجز» و«المغني».
          والجملة ما في العينيِّ: قال أصحابنا: طلاق الخَاطئ والنَّاسي والهازل واللَّاعب والَّذي يتكلَّم به مِنْ غير قصد واقعٌ، وفي «التَّوضيح» قد اختلف العلماء في النَّاسي في يمينه، هل يلزمه حِنث أم لا؟ على قولين:
          أحدهما: لا، وهو أحد قولي الشَّافعيِّ، وبه قال إسحاق، وإليه ذهب البخاريُّ في الباب.
          وثانيهما: وهو قول الشَّعبيِّ وطاوس: مَنْ أخطأ في الطَّلاق فله نيَّتُه.
          وفي قول ثالث: يحنث في الطَّلاق خاصَّة، قاله أحمد، وذهب مالك والكوفيُّون إلى أنَّه يحنث في الخطأ أيضًا، وادَّعى ابن بطَّالٍ أنَّه الأشهر عن الشَّافعيِّ. انتهى.
          قال الحافظ: واختلف السَّلف في طلاق النَّاسي، فكان الحسن يراه كالعمد إلَّا إن اشترط، فقال: إلَّا أن أنسى، وعن عطاء: أنَّه كان لا يراه شيئًا، وهو قول الجمهور، وكذلك اختُلف في طلاق المخطئ، فذهب الجمهور إلى أنَّه لا يقع، وعن الحنفيَّة: يلزمه الطَّلاق (1). انتهى. / قالَ العَينيُّ: أمَّا حكم طلاق الغالط والنَّاسي فإنَّه واقع، وهو قول عطاء والشَّافعيِّ في قول، وإسحاق ومالك والكوفيِّين(2). انتهى.
          قالَ الموفَّق: لا خلاف عن أحمد أنَّه إذا أراد أن يقول لزوجته: اسقيني ماء، فسبق لسانه فقال: أنت طالق أو أنت حرَّة أنَّه لا طلاق فيه... إلى آخر ما بسط في «هامش اللَّامع».
          وفي «البذل»: في قوله صلعم: (ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ) الحديث يدلُّ على أنَّ مَنْ تلفَّظ هازلًا بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق وقع منه ذلك، أمَّا في الطَّلاق فقد قال بذلك الشَّافعيَّة والحنفيَّة وغيرهم، وخالف في ذلك أحمد ومالك فقالا: إنَّه يفتقر اللَّفظ الصَّريح إلى النِّيَّة (3). انتهى.
          قوله: (ولا عَتَاقَة إلَّا لوَجْهِ الله) قالَ القَسْطَلَّانيُّ: أي: لِذاته ولجهة رضاه، ومراده بذلك إثبات اعتبار النِّيَّة لأنَّه لا يظهر كونه لوجه الله تعالى إلَّا مع القَصْد، وفي حديث ابن عبَّاسٍ مرفوعًا كما في الطَّبرانيِّ: ((لا طَلاق إلَّا لعدَّة ولا عَتَاقَة إلَّا لوجه الله)). انتهى.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: يُرَدُّ به ما ذهب إليه الحنفيَّة مِنْ نفاذ العتق ولو للشَّيطان أو الصَّنم، وجوابه: ما مَرَّ مِنَ المصنِّف نفسه مِنْ جواز صدقة المشركين وإعتاقهم، فإنَّه أثبت ثَمَّة جواز الإعتاق منهم مع أنَّهم ليسوا أهل نيَّة وإخلاص حتَّى يكون فعلُهم لوجه الله تعالى. انتهى.
          قوله: (لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى...) إلى آخره قال الحافظ: أشار المصنِّف بهذا الاستنباط إلى بيان أخذ التَّرجمة مِنْ حديث (الأعمال بالنِّيَّات) ويحتمل أن يكون أشار بالتَّرجمة إلى ما ورد في بعض الطُّرق كعادته، وهو الحديث الَّذِي يذكره أهل الفقه والأصول كثيرًا بلفظ: ((رفع الله عن أمَّتي الخطأ والنِّسيان وما استُكرهوا عليه)) أخرجه ابن ماجَهْ إلَّا أنَّه بلفظ: ((وضع)) بدل ((رفع)). انتهى.
          وكتب الشَّيخ في «اللَّامع»: وجوابه معروف مِنْ أنَّ المرفوع هو الاسم لا جزاء(4) الفعل. انتهى.
          وبسط الكلام على ذلك في «هامش اللَّامع» في آخر كتاب الإيمان.


[1] فتح الباري:9/390
[2] عمدة القاري:20/251
[3] بذل المجهود:10/285
[4] في (المطبوع): ((هو الإثم لإجزاء)).