الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الاعتكاف

          ░9▒ (باب: الاعتكاف وخروج النَّبيِّ صلعم صبيحة عشرين)
          كأنَّه أراد بالتَّرجمة تأويل ما وقع في حديث مالك مِنْ قوله: ((فلمَّا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهي اللَّيلة الَّتِي يَخْرُج مِنِ اعتكافه صَبِيحَتَها)) وقد تقدَّم توجيه ذلك، وأنَّ المراد بقوله: ((صَبِيحَتَها)) الصَّبِيحَة الَّتِي قبلها.
          قال ابن بطَّالٍ: هو مثل قوله تعالى: {لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] فأضاف الضُّحى إلى العشيَّة وهو قبلها، وكلُّ شيءٍ متَّصلٍ بشيء فهو مضاف إليه سواء كان قبله أو بعده. انتهى.
          قلت: وحديث مالك الَّذِي أشار إليه الحافظ تقدَّم في (باب: الاعتكاف في العشر الأواخر).
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع» هناك قوله: (وهي اللَّيلة الَّتِي يخرج مِنْ صبيحتها...) إلى آخره، لعلَّه أراد بذلك أنَّه كان يكون خارجًا في تلك الصَّبيحة لا أنَّه ينشئ الخروج فيها لأنَّ الخروج إنَّما هو ليلة إحدى وعشرين لا بعد انقضائها، والدُّخول في يوم أحد وعشرين، وكذلك يجب التَّأويل في قوله: ((حتَّى إذا كان ليلة إحدى وعشرين)) بأنَّه أراد بها قُرْبَها ودُنُوَّها لا دخولها، إذ لو كانت اللَّيل قد دخلت قبل الخطبة، وكانت الخطبة والأمر بالرجوع في اللَّيلة لزم ألَّا يتمَّ اعتكاف العشر الأواخر بابتدائه مِنْ ليلة إحدى وعشرين، فيدخل المعتكِفُ مُعتَكَفَه قبل دخول اللَّيلة لا بعده. انتهى.
          وبسط الكلام عليه في «هامشه» مِنْ كلام الشُّرَّاح.
          ولا يخفى عليك أنَّ هاهنا إشكالين:
          الأوَّل: تعارُض الرِّوايات في وقت خطبته صلعم، هل كانت في ليلة إحدى وعشرين كما في رواية مالك، أو في صبيحة عشرين كما في رواية الباب؟ ويمكن أن يجاب عنه بأنَّ في هذه الرِّواية إجمالًا، وليس المراد مِنْ قوله: (فخَطَبَنا) البعديَّة المتَّصلة، بل هي للتَّراخي كما يوضحه الرِّواية الأخرى، أخرجها في (باب: تَحَرِّي ليلة القَدْر) فإنَّ الحديث واحد والقصَّة واحدة.
          والإشكال الثَّاني: في خروجه صلعم صبيحة عشرين لأنَّ الظَّاهر أنَّه صلعم اعتكف اللَّيالي مع الأيَّام، فحينئذ لا بدَّ له مِنَ الخروج بعد الغروب.
          والجواب عنه بوجهين:
          أحدهما: أنَّه محمول على أنَّه أراد اعتكاف اللَّيالي دون الأيَّام.
          وثانيهما: أنَّه محمول على نقل أثقالهم كذا يُستفاد مِنَ الشُّروح، وهذا غاية / الإيضاح لهذا المقام فتَشَكَّر.