إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: سئل ابن عباس: أشهدت العيد مع النبي؟

          7325- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) _بالمثلَّثة_ العبديُّ البصريُّ قال: (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) الثَّوريُّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ) _بالعين المهملة وبعد الألف موحَّدةٌ مكسورةٌ فمهملةٌ_ ابن ربيعة النَّخعيِّ أنَّه (قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ بضمِّ السِّين وكسر الهمزة: (أَشَهِدْتَ) بهمزة الاستفهام، أي: أحضرت (العِيدَ) أي: صلاته (مَعَ النَّبِيِّ صلعم ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَوْلَا مَنْزِلَتِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ مِنَ الصِّغَرِ) أي: ما حضرت العيد، وسبق في «باب العَلَم الَّذي بالمُصَلَّى»‼ من «العيدين» [خ¦977] «ولولا مكاني من الصِّغر ما شهدته» وهو يدلُّ على أنَّ الضَّمير في قوله: «منه» يعود على غير المذكور(1) وهو الصِّغر(2)، ومشى بعضهم على ظاهر ذلك السِّياق، فقال: إنَّ الضَّمير يعودُ على النَّبيِّ صلعم ، والمعنى لولا منزلتي من النَّبيِّ صلعم ما شهدتُ معه العيد، وهو مُتَّجهٌ، لكنَّ(3) السِّياق يخالفه، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ الغالب أنَّ الصِّغر في مثل هذا يكون مانعًا، لا مُقتضِيًا، فلعلَّ فيه تقديمًا وتأخيرًا، ويكون قوله: «من الصِّغر» متعلِّقًا بما بعده، فيكون المعنى لولا منزلتي من النَّبيِّ صلعم ما حضرت معه لأجل صغري، ويمكن حمله على ظاهره، وأراد بشهوده ما وقع من وعظه للنِّساء؛ لأنَّ الصِّغر يقتضي أن يُغتَفَر له الحضورُ معهنَّ، بخلاف الكبر(4) (فَأَتَى) ╕ (العَلَمَ) بفتحتين (الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ) بالمثلَّثة، و«الصَّلْت» _بفتح الصَّاد المهملة وسكون اللَّام بعدها فوقيَّة_ ابن مَعْدِيْكَرِب الكنديُّ (فَصَلَّى) ╕ العيد بالنَّاس (ثُمَّ خَطَبَ، وَلَمْ) ولأبي ذرٍّ: ”فلم(5)“ «بالفاء» بدل: «الواو»، (يَذْكُرْ أَذَانًا وَلَا إِقَامَةً، ثُمَّ أَمَرَ) ╕ (بِالصَّدَقَةِ) وفي «العيدين» [خ¦977] «ثمَّ خطب، ثمَّ أتى(6) النِّساء ومعه بلالٌ، فوعظهنَّ وذكَّرهنَّ، وأمرهنَّ(7) بالصَّدقة» (فَجَعَلَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”فَجَعَلْنَ“ (النِّسَاءُ يُشِرْنَ) بضمِّ التَّحتيَّة وكسر المعجمَة وسكون الرَّاء، وفي «العيدين» [خ¦977] فرأيتهنَّ يهوينَ بأيديهنَّ (إِلَى آذَانِهِنَّ وَحُلُوقِهِنَّ، فَأَمَرَ) ╕ (بِلَالًا) أن(8) يأتيهنَّ ليأخذ منهنَّ ما يتصدَّقن به (فَأَتَاهُنَّ) فجعلن يُلقين في ثوبه الفتخ والخواتيم(9) (ثُمَّ رَجَعَ) بلالٌ (إِلَى النَّبِيِّ صلعم ).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قوله: «فأتى العَلَم الذي عند دار كثيرٍ» وقال المهلَّب _فيما ذكره عنه ابن بطَّالٍ_: شاهد التَّرجمة قول ابن عبَّاسٍ: «ولولا مكاني من الصِّغر ما شهدته»؛ لأنَّ معناه أنَّ صغير أهل المدينة وكبيرهم ونساءهم وخدمهم ضبطوا العَلَم معاينةً منهم في مواطن العمل من شارعها المبيِّن عن الله تعالى، وليس لغيرهم هذه المنزلة، وتُعُقِّب بأنَّ قول ابن عبَّاسٍ: «من الصِّغر ما شهدته» إشارةٌ منه إلى أنَّ الصِّغر مَظِنَّة عدم الوصول إلى المقام الذي شاهد فيه النَّبيَّ صلعم حين سمع كلامه وسائر ما قصَّه، لكن لمَّا كان ابن عمِّه، وخالته أمُّ المؤمنين وصل بذلك إلى المنزلة المذكورة، ولولا ذلك؛ لم يصِلْ، ويؤخَذ منها نفي التَّعميم الذي ادَّعاه المهلَّب، وعلى تقدير تسليمه فهو خاصٌّ بمن شاهد ذلك وهم الصَّحابة، فلا يشاركهم فيه مَن بعدهم بمجرَّد كونه من أهل المدينة، قاله في«فتح الباري».
          والحديث سبق في «الصَّلاة» [خ¦863] وفي «العيدين» [خ¦977]‼.


[1] في (د): «مذكورٍ».
[2] في (د) و(ع): «الصَّغير»، وكذا في المواضع اللَّاحقة.
[3] زيد في (د): «هذا».
[4] في (د) و(ع): «الكبير».
[5] «فلم»: ليس في (د).
[6] «ثمَّ أتى»: ليس في (ص)، وفيها: «إلى».
[7] «وأمرهنَّ»: ليس في (د).
[8] «أن»: مثبتٌ من (د).
[9] في (د): «والخواتم».