إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وأمرهم شورى بينهم}

          ░28▒ (بابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى:38]) أي: ذو شورى، يعني(1): لا ينفردون برأيٍ حتَّى يجتمعوا عليه، وقولهِ تعالى: ({وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}[آل عمران:159]) استظهارًا برأيهم، وتطييبًا لنفوسهم، وتمهيدًا لسُنَّة المشاورة للأمَّة (وَأَنَّ‼ المُشَاوَرَةَ قَبْلَ العَزْمِ) على الشَّيء (وَ) قبل (التَّبَيُّنِ) وهو وضوح المقصود (لِقَوْلِهِ) تعالى: ({فَإِذَا عَزَمْتَ}) فإذا قطعت الرَّأي على شيءٍ بعد الشُّورى ({فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}[آل عمران:159]) / في إمضاء أمرك على ما هو أصلحُ لك (فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ صلعم ) بعد المشورة على شيءٍ وشرع فيه (لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ التَّقَدُّمُ عَلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) للنَّهي عن ذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ}[الحجرات:1] (وَشَاوَرَ النَّبِيُّ صلعم أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي المُقَامِ) بضمِّ الميم(2) (وَالخُرُوجِ(3)، فَرَأَوْا لَهُ الخُرُوجَ، فَلَمَّا لَبِسَ لَامَتَهُ) بغير همزةٍ في الفرع كأصله، وفي غيرهما(4) بهمزةٍ ساكنةٍ بعد اللَّام، أي: درعه (وَعَزَمَ) على الخروج والقتال وندموا (قَالُوا) له: يا رسول الله (أَقِمْ) _بفتح الهمزة وكسر القاف_ بالمدينة، ولا تخرج منها إليهم (فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ) فيما قالوه (بَعْدَ العَزْمِ) لأنَّه يناقض التوكُّل الذي أمره الله به (وَقَالَ: لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) بينه وبين عدوِّه، وهذا وصله الطَّبرانيُّ بمعناه من حديث ابن عبَّاسٍ.
          (وَشَاوَرَ) صلعم (عَلِيًّا) أي: ابن أبي طالب (وَأُسَامَةَ) بن زيد (فِيمَا رَمَى(5) أَهْلُ الإِفْكِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”رمى به أهل الإفك(6)“ (عَائِشَةَ) ♦ (فَسَمِعَ مِنْهُمَا) ما قالاه، ولم يعمل بجميعه، فأمَّا عليٌّ فأومأ إلى الفراق بقوله: والنِّساء سواها كثيرٌ، وأمَّا أسامة فقال: إنَّه لا يعلم عنها إلَّا الخير، فلم يعمل ╕ بما أومأ إليه عليٌّ من المفارقة، وعمل بقوله: «واسأل الجارية تصدقك(7)» [خ¦2661] ، فسألها، وعمل بقول أسامة في عدم المفارقة، ولكنَّه أذن لها في التَّوجُّه إلى بيت أبيها (حَتَّى نَزَلَ القُرْآنُ، فَجَلَدَ الرَّامِينَ) بصيغة الجمع، وسُمِّي في رواية أبي داود منهم: مِسْطَح بن أثاثة، وحسَّان بن ثابتٍ، وحَمْنة بنت جحشٍ، ولم يقع في شيءٍ من طرق حديث الإفك في «الصَّحيحين» أنَّه جلد الرَّامي، نعم رواه أحمد وأصحاب السُّنن من حديث عائشة (وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَنَازُعِهِمْ) أي: إلى تنازع عليٍّ وأسامةَ ومَن وافقهما، وفي «الطَّبرانيِّ» عن ابن عمرَ في قِصَّة الإفك: وبعث رسول الله صلعم إلى عليِّ بن أبي طالب وأسامةَ بنِ زيدٍ وبريرةَ، قال في «الفتح»: فكأنَّه أشار بصيغة الجمع في قوله: «تنازُعِهِم» إلى ضمِّ بريرةَ إلى عليٍّ وأسامةَ، لكن استُشكِل بأنَّ ظاهر سياق الحديث الصَّحيح أنَّها لم تكن حاضرةً، وأُجِيبَ: بأنَّ المراد بالتَّنازع اختلاف قول(8) المذكورين عند مساءلتهم واستشارتهم، وهو أعمُّ من أن يكونوا مجتمعين أو مُفْتَرِقين (وَلَكِنْ حَكَمَ بِمَا أَمَرَهُ اللهُ، وَكَانَتِ الأَئِمَّةُ) من الصَّحابة والتَّابعين فمن بعدهم (بَعْدَ النَّبِيِّ صلعم يَسْتَشِيرُونَ الأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي الأُمُورِ المُبَاحَةِ لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا) إذا لم يكن فيها نصٌّ بحكمٍ معيَّنٍ، وكانت‼ على أصل الإباحة، والتَّقييد بـ «الأمناء» صفةٌ موضِّحةٌ؛ لأنَّ غير المؤتمن لا يُستشار، ولا يُلتفت لقوله (فَإِذَا وَضَحَ الكِتَابُ) القرآن (أَوِ السُّنَّةُ لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ اقْتِدَاءً) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”اقتَدَوا“ (بِالنَّبِيِّ صلعم ، وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق ☺ (قِتَالَ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، فَقَالَ عُمَرُ) ☺ : (كَيْفَ تُقَاتِلُ) زاد أبو ذرٍّ: ”النَّاس“ (وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : أُمِرْتُ) أي: أمرني الله (أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ) المشركين عبدة الأوثان دون أهل الكتاب (حَتَّى) أي: إلى أن (يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِذَا قَالُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) مع محمَّد رسول الله (عَصَمُوا) أي: حفظوا (مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) فلا تُهدَر دماؤهم ولا تُستباح أموالهم بعد عصمتهم بالإسلام بسببٍ من الأسباب (إِلَّا بِحَقِّهَا) من قتل نفسٍ أو حدٍّ أو غرامة مُتْلَفٍ، زاد أبو ذرٍّ هنا: ”وحسابهم“ أي: بعد ذلك ”على الله“ أي: في أمر سرائرهم، وإنَّما قيل: دون أهل الكتاب؛ لأنَّهم إذا أعطوا الجزية؛ سقط عنهم القتال، وثبتت لهم العصمة، فيكون ذلك تقييدًا للمطلق، قال الطِّيبيُّ: الذي يُذاق من لفظ «النَّاس» العموم والاستغراق(9) (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) ☺ : (وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم / ، ثُمَّ تَابَعَهُ بَعْدُ عُمَرُ) ☺ على ذلك (فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَشُورَةٍ) وللكشميهنيِّ: ”إلى مَشُورَتِه“ (إِذْ) بسكون المعجمة (كَانَ عِنْدَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللهِ صلعم فِي الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَأَرَادُوا تَبْدِيلَ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ) بالجرِّ عطفًا على المجرور السَّابق.
          (وقَالَ) ولغير أبي ذرٍّ: ”قال“ (النَّبِيُّ صلعم ) فيما وصله المؤلِّف من حديث ابن عبَّاسٍ في «كتاب المحاربين» [خ¦6922] (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَشُورَةِ عُمَرَ) بفتح الميم وضمِّ الشِّين(10) المعجمة وسكون الواو (كُهُولًا كَانُوا أَوْ(11) شُبَّانًا(12)) هذا طرفٌ من حديثٍ وقع موصولًا في «التَّفسير» [خ¦4642] (وَكَانَ) أي: عمر (وَقَّافًا) بتشديد القاف، أي: كثير الوقوف (عِنْدَ كِتَابِ اللهِ ╡) كذا وقع في «التَّفسير» [خ¦4642] موصولًا.


[1] في (د): «أي».
[2] قوله: «بضمِّ الميم»: جاء في غير (د) و(ع) بعد قوله: «والخروج» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[3] وقع في (ع) بعد لفظ: «المقام».
[4] في (د) و(ع): «غيره».
[5] زيد في (ب) و(س): «به»، ولا يصحُّ.
[6] في (ب) و(س): «رمى أهل الإفك به»، وليس بصحيحٍ، انظر اليونينية.
[7] «تصدقك»: مثبتٌ من (د) و(ع).
[8] من ههنا يبدأ سقط في (ص). وينتهي في الحديث رقم [7444].
[9] قوله: «قال الطِّيبيُّ: الذي يُذاق من لفظ النَّاس العموم والاستغراق» مثبتٌ من (د) و(ع).
[10] «الشِّين»: مثبتٌ من (د).
[11] في (ع): «و».
[12] في (د): «شبابًا».