إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا أمير المؤمنين لو أن علينا نزلت هذه الآية

          7268- وبه قال: (حدَّثنا الحُمَيْدِيُّ) ولأبوي الوقت وذرٍّ: ”حدَّثنا عبد الله بن الزبير الحميدي“ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة (عَنْ مِسْعَرٍ) بكسر الميم وسكون المهملة ابن كِدَامٍ بكسر الكاف وفتح المهملة المخفَّفة (وَغَيْرِهِ) يحتمل _كما قال في «الفتح»_ أن يكون سفيان الثَّوريَّ؛ فإنَّ الإمام أحمد أخرجه من روايته (عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ) الجَدْليِّ _بالجيم المفتوحة والدَّال المهملة_ الكوفيِّ (عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ) الأحمسيِّ _رأى النَّبيَّ صلعم ، لكنَّه لم يثبت له منه سماعٌ_ أنَّه (قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ) هو كعب الأحبار قبل أن يُسلم كما عند الطَّبرانيِّ في «الأوسط» (لِعُمَرَ) بن الخطَّاب ☺ : (يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ لَوْ أَنَّ عَلَيْنَا) معشرَ اليهود (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}) يعني: الفرائض والسُّنن، والحدود والجهاد، والحرام والحلال، فلم ينزل بعدها حلالٌ ولا حرامٌ ولا شيءٌ من الفرائض، وهذا ظاهر السِّياق، وفيه نظرٌ، وقد ذهب جماعةٌ إلى أنَّ المراد بالإكمال ما يتعلَّق بأصول الأركان، لا ما(1) يتفرَّع عنها ({وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}) بفتح مكَّة، ودخولها آمنين ظاهرين، وهدم منار الجاهليَّة ومناسكهم، وإقامة مناسكهم(2) ({وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ}) اخترته لكم ({دِينًا}[المائدة:3]) من بين الأديان، ورضي يتعدَّى لواحدٍ وهو {الإِسْلاَمَ}، و{دِينًا} على هذا حالٌ، أو هو يتضمَّن معنى «جعل وصيَّر» فيتعدَّى لاثنين: {الإِسْلاَمَ}، و{دِينًا}، و«على» في قوله: {وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ} يتعلَّق بـ {وَأَتْمَمْتُ} ولا يجوز تعلُّقه بـ {نِعْمَتِي} وإن كان فعلها يتعدَّى بـ «على»؛ نحو: {أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} / [الأحزاب:37] لأنَّ المصدر لا يتقدَّم عليه معمولُه إلَّا أن ينوب مَنابَه (لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا) نعظِّمه في كلِّ سنةٍ؛ لعظم ما وقع فيه من كمال الدِّين (فَقَالَ عُمَرُ) لكعبٍ: (إِنِّي لأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ) فيه (نَزَلَتْ(3) يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ) قال ابن عبَّاسٍ: كان ذلك اليوم خمسة أعيادٍ: جمعة، وعرفة، وعيد اليهود، وعيد النَّصارى، والمجوس، ولم تجتمع أعياد أهل المِلَل في يومٍ قبله ولا بعده.
          قال البخاريُّ ⌂ : (سَمِعَ سُفْيَانُ) بن عيينة حديث طارقٍ هذا (مِنْ مِسْعَرٍ) ولأبي ذرٍّ: ”سمع سفيان مِسْعرًا“ (وَمِسْعَرٌ) سمع (قَيْسًا، وَقَيْسٌ) سمع (طَارِقًا) فصرَّح بالسَّماع فيما عنعنه أوَّلًا اطِّلاعًا منه على سماع كلٍّ من شيخه، ووجه سياق الحديث هنا من حيث إنَّ الآية تدلُّ على أنَّ هذه الأمَّة المحمَّديَّة معتصمةٌ(4) بالكتاب والسُّنَّة؛ لأنَّ الله تعالى منَّ عليهم بإكمال الدِّين، وإتمام النِّعمة، ورضي لهم بدين الإسلام.
          والحديث سبق في «كتاب الإيمان» [خ¦45].


[1] في (ص): «مالا».
[2] قوله: «إقامة مناسككم» مثبتٌ من (ع).
[3] زيد في (ب): «في».
[4] في (ص) و(ع): «معتصمين».