إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله تعالى: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا}

          ░18▒ (بابُ قولِه(1) تعالى) وسقط لأبي ذرٍّ «قوله تعالى» ({وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}(2)[الكهف:54]) {جَدَلًا} تمييزٌ، أي: أكثر الأشياء الَّتي يتأتَّى منها الجدال إن فصَّلتها واحدًا بعد واحدٍ خصومةً ومماراةً بالباطل، يعني: أنَّ جدل الإنسان أكثر من جدل كلِّ شيءٍ (وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[العنكبوت:46]) بالخصلة الَّتي هي أحسن، وهي مقابلة الخشونة باللِّين، والغضب بالكظم كما قال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[فصلت:34] {إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[العنكبوت:46] فأفرطوا في الاعتداء والعناد، ولم يقبلوا النُّصح، ولم ينفع فيهم‼ الرِّفق، فاستعمِلوا معهم الغِلظة، وقيل: إلَّا الَّذين آذَوا رسول الله صلعم ، أو الَّذين أثبتوا الولد والشَّريك، وقالوا: {يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ}[المائدة:64] أو معناه: ولا تجادلوا الدَّاخلين في الذِّمَّة المؤدِّين للجِزْية إلَّا بالَّتي هي أحسن، إلَّا الَّذين ظلموا فنبذوا الذِّمَّة ومنعوا الجزية فمجادلتهم بالسِّيف، والآية تدلُّ على جواز المناظرة مع الكَفَرة في الدِّين، وعلى جواز تعلُّم علم الكلام الَّذي به تتحقَّق(3) المجادلة.


[1] في (ع): «قول الله».
[2] تقدَّمت الآية في (د) و(ع) على رواية أبي ذرٍّ.
[3] في (ص) و(ع): «تُحقَّق».