التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها}

          ░48▒ (بَابُ {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاْنًا شَرْقِيًّا}[مريم:16]).
          قوله: (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نِسْيًا مَنْسِيًّالَمْ أَكُنْ شَيْئًا، وَقَالَ غَيْرُهُ: النِّسْيُ: الحَقِيرُ) قول ابن عبَّاس أخرجه ابن أبي زياد في تفسيره عنه، حُكِيَ عن العرب أنَّهم إذا أرادوا الرَّحيل عن منزل قالوا: احفظوا أنساءكم، والأنساء جمع نسي وهو الشَّيء الحقير، وقيل: هو ما سقط في منازل الْمُرْتَحِلِينَ من رذائل أمتعتهم.
          قوله: (وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ) (1) بفتح الواو وهمزة بعد الألف هو شقيق بن سلمة.
          قوله: (عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ) الرِّواية بالضمِّ، أي: ضم النُّون وقد تُفتَح وهو العقل؛ / لأنَّه ينتهي صاحبه عن القبائح، ويُقَالُ فيه ذو نهاية، حكاه ثابت، وقد تكون النُّهية من النَّهي عن الفعلة الواحدة منه، والنَّهية بالفتح واحدة النَّهي مثل تمرة وتمر، أي: إنَّ له من نفسه في كلِّ حالة زاجرًا ينهاه.
          قوله: (وَقَالَ وَكِيعٌ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ {سَرِيًّا}[مريم:24]: نَهَرٌ صَغِيرٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ) ما ذكره عن البراء أسقطه أبو مسعود والطرقي وحكاه خلف والمزِّي عن البخاريِّ في التَّفسير، عن يحيى عن وكيع عن إسرائيل بلفظ: (نهر جدول من ماء) ورواه الحاكم في «مستدركه» عن المحبوبي عن أحمد بن سيَّار عن محمَّد بن كثير عن سفيان عن أبي إسحاق بلفظ: (جدول النهر الصغير) ثمَّ قال: صحيح على شرط الشَّيخين، وأخرجه ابن مردويه من حديث معاوية بن يحيى عن أبي سنان عن البراء عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: (السَّري النهر الصَّغير) ثم ذكره من حديث ابن عمر مرفوعًا: ((السَّري الذي قال الله فيه نهر أخرجه الله لها لتشرب منه)).
          تنبيه: أنكر قوم أن يكون في القرآن شيء من السُّرْيَانِيَّةِ أو غيرها إلَّا أن يراد أنَّه وافق لغة العرب، وحكى الداوديُّ عن الحسن أنَّه كان يقول: كان والله سريًّا _يعني عيسى_ ثمَّ رجع على أنَّه النَّهر.
          قوله: تقدَّم (نَبَذْنَاهُ: أَلْقَيْنَاهُ) يُقَالُ: جلس نبذة من النَّاس، أي: ناحية، وهو إذا جلس قريبًا منك بحيث لو مددت إليه شيئًا لوصل إليه.
          قوله: (اعْتَزَلَتْ.{شَرْقِيًّا}[مريم:16] مِمَّا يَلِي الشَّرْقَ) قيل: إنَّما قصدت مطلع الشَّمس لتغتسل من الحيض، وقيل: لتخلو عن النَّاس بالعبادة.
          قوله: ({فَأَجَاءَهَا المَخَاضُ}[مريم:23]: أَفْعَلْتُ (2) مِنْ جِئْتُ، وَيُقَالُ: أَلْجَأَهَا اضْطَرَّهَا) عن خطِّ الدِّمياطيِّ فأجاءها التَّغلُّب _بفتح الهمزة وضمِّ التَّاء_ وقال ابن التِّين: ضُبِطَ بضمِّ الهمزة وكسر العين، كأنَّه حُكِيَ أنَّه جيء بها، وبفتح الهمزة والعين وسكون التَّاء، وهو غير بيِّن؛ لأنَّها لم تفعل وإنَّما فُعِلَ بها، ومثال (أَجَاءَهَا) على التَّحقيق أفعلها.وقوله: (وَيُقَالُ: أَلْجَأَهَا) هو قول ابن عبَّاس ومجاهد والأوَّل قول الكسائيِّ ومعناهما واحد؛ لأنَّه إذا ألجأها إلى الذَّهاب إلى جذع النَّخلة فقد جاء بها، وقرأ عاصم (فاجأها) من المفاجأة.
          قوله: ({فَرِيًّا}[مريم:27]: عَظِيمًا) هو قول مجاهد، وقال أبو عبيدة عجيبًا، وقال قُطْرُب: بديع جديد لم يسبق إليه، وقال سعيد بن مسعدة: أي مختلفًا.


[1] في الأصل كلمة غير واضحة صورتها:((هو وأبي)).
[2] في الأصل:((افتعلت)).