التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: الأرواح جنود مجندة

          ░2▒ (بَابٌ: الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ).
          قال النَّوويُّ: جموع مجمَّعة وأنواع مختلفة.قال في «النَّهاية» مجنَّدة: أي مجموعة، كما يُقَالُ ألوف مؤلفة، وقناطير مقنطرة، ومعناه الإخبار عن مبدأ كون الأرواح وتقدِّمها على الأجساد، أي: أنَّها خُلِقَت أوَّل خلقها على قسمين: من ائتلاف واختلاف، كالجنود المجموعة إذا تواجهت وتقابلت.يقول: إنَّ الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدُّنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خُلِقَت عليه، ولهذا يُروَى: الخيِّر يحب الأخيار ويميل إليهم، والشِّرير يحب الأشرار ويميل إليهم.قال البغوي: ويدلُّ ذلك على أنَّ الأرواح ليست بأعراض، وعلى أنَّها كانت موجودة قبل الأجساد في الخلق.وتعارفها: قيل إنَّه يوافقها في صفاتها التي خلقها الله عليها وتناسبها في اختلافها.وقيل: إنَّها خُلِقَت مجتمعة ثمَّ تفرَّقت في أجسادها فمن وافق لصيقه أَلِفَهُ، ومن باعده نافره.وقال الخطَّابيُّ: في معنى تعارفها وجهان:
          أحدهما: أنَّه إشارة إلى معنى التَّشاكل في الخير والشَّرِّ، وأنَّ الخيِّرَ من النَّاس يحنُّ إلى شكله وعكسه كما قدَّمناه، والأرواح إنَّما تتعارف بضرائر طبائعها التي جُبِلَت عليها من خير وشرٍّ، فإذا اتَّفقت الأشكال تعارفت وتآلفت وإذا اختلفت تنافرت وتناكرت.والآخر أنَّه رُوِيَ أنَّ الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد وكانت تلتقي فلمَّا اكتست بالأجساد تعارفت بالذِّكر الأوَّل فصار كلٌّ منها إنَّما يعرف وينكر على ما سبق له من العهد المتقدِّم.