التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

{وإلى مدين أخاهم شعيبًا}

          ░34▒ (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا}[الأعراف:85]).
          أي: إِلَى أَهْلِ مَدْيَنَ، لِأَنَّ مَدْيَنَ بَلَدٌ، وَمِثْلُهُ {وَاسْأَلِ القَرْيَةَ}[يوسف:82]، وَاسْأَلْ {العِيرَ}[يوسف:70] أي: أَهْلَ القَرْيَةِ وَأَهْلَ العِيرِ، إن قلت: أصحاب الأيكة هم أهل مدين وهم الذين أصابهم العذاب {يَوْمِ الظُّلَّةِ}[الشعراء:189]، وقد قال تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ}[الشعراء:177] ولم يقل أخوهم.قلت: لمَّا عرفهم بالنَّسب وهو أحدهم فيه قال أخوهم، ولمَّا عرفهم بالأيكة التي أصابتهم فيها النِّقمة لم يقل أخوهم وأخرجه عنهم / تنويهًا له وتعظيمًا.قال ابن الملقِّن: عاش شعيب ستُّمائة سنة واثنين وخمسين سنة فيما ذكر أبو المفاخر إسحاق بن جبريل في «تاريخه».
          قوله: ({أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا}[هود:92]) أي: منسيًّا متروكًا، وقال الجوهريُّ: وقولهم ظهر فلان بحاجتي إذا استخفَّ بها، وقال أبو عبيد: هو استهانتك بها، والظِّهري أن تأخذ معك دابة أو وعاء تستظهر به.
          قوله: (وَقَالَ الحَسَنُ: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الحَلِيمُ الرَّشِيدُ}[هود:87] يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ) وقال غيره معناه لأنت الحليم الرَّشيد عند نفسك، وقال ابن عبَّاس: أي السَّفيه الغاوي.
          قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: (لَيْكَةُ) الأَيْكَةُ) وقال الضَّحَّاك: الأيكة الغيضة ذات الشَّجر وكذلك هو في اللُّغة، ويُقَالُ للشَّجر أيكة وجمعها أيك، وقال: ليكة القرية التي كانوا بها، والأيكة البلاد كلُّها وأنكر ذلك، قاله ابن الملقِّن، وقُرِيَء {لَيَكة} بفتح اللَّام من غير همز، وبفتح الياء غير منصرف، وهو اسم علم لتلك المدينة، والأيكة الغيضة وهو الشَّجر الملتفُّ، وكانوا أصحاب شجر ملتفٍّ وهو المقل.
          قوله: ({الظُّلَّةِ}[الشعراء:189]: إِظْلاَلُ العَذَابَ عَلَيْهِمْ) وفي بعضها: (إِظْلاَلُ الغَمَامِ) قال ابن عبَّاس: أصابهم حرٌّ شديدٌ فدخلوا البيوت فأخذ الحرُّ بأنفاسهم فخرجوا إلى البرِّيَّة لا يسترهم شيء، فأرسل الله إليهم سحابة فهربوا إليها يستظلُّون بها ويأوي بعضهم بعضًا، فلمَّا اجتمعوا تحتها أهلكهم الله.وقال مجاهد: لما اجتمعوا تحتها صِيْحَ بهم فهلكوا، وقيل: أمطرت عليهم نارًا فاحترقوا.