التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: قوله تعالى: {إذ قالت الملائكة يا مريم}

          ░46▒ (بَابُ: {وَإِذْ قَالَتِ المَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ}[آل عمران:45]).
          يُبَشِّرُكِ بالتَّشديد / والتَّخفيف، وفي تسمية عيسى بالكلمة أقوال: أحدها: أنَّه لمَّا قال: كن فكان سمَّاه بالكلمة، وقيل: سُمِّيَ بها كما يُقَالُ: عبد الله وألقاها على اللفظ، وقيل: كانت الأنبياء بشَّرت به وأعلنت أنَّه يكون من غير فحل، وبشَّر الله به مريم في قوله: {لِأَهَبَ (1) لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا}[مريم:19] فلمَّا ولدته على تلك الصِّفة قال الله: ((هذه كلمتي كالخبر بالشِّيء، فإذا كان قيل هذا قولي)) وقيل: سُمِّيَ كلمة لأنَّ النَّاس يهتدون به كما يهتدون بالكلمة.
          وفي تسميته بالمسيح أقوال: أحدها: الصِّدِّيق كما ذكره البخاريُّ عن إبراهيم أو لحسنه أو لأنَّه كان يقطع الأرض ويمسحها بسياحته فيها، فتارة كان يكون بالشَّام وتارة بمصر، والمهامي والقِفَار مفعل وعلى الأوَّل فعيل، أو لأنَّه خرج من بطن أمه كأنَّه ممسوح بالدُّهن، أو لأنَّ زكريا مسحه، أو أنَّه اسم خصَّه الله به، أو لأنَّه كان لا أخمص لرجليه كما قاله ابن عبَّاس، أو لأنَّه لا يمسح ذا عاهة إلَّا عُوفِيَ ولا ميتًا إلَّا حيَّ، فهو من أبنية الفاعلين مسيح بمعنى ماسح، ومسيح أصله _بسكون السِّين وفتح الياء_ على وزن مفعل، فسُكِّنَتِ الياء ونُقِلَتْ حركتها إلى السِّين وكُسِرَتْ؛ لاستثقالهم الكسرة على الياء كما نبَّه عليه ابن دحية، وقال أبو عبيد: أظنُّ هذه الكلمة مَشِيْحًا _بالشِّين المعجمة_ فَعُرِّبَتْ، وكذا ينطق بها اليهود، وقيل: سُمِّيَ مَشِيْحًا لأنَّه كان يلبس المشوَّح، قاله الدَّاوديُّ، أو لأنَّه مُسِحَ بالبركة حين وُلِدَ، قال تعالى: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ}[مريم:31]، أو لأنَّ الله مسح الذُّنوب عنه.
          قوله: (وَالأَكْمَهُ مَنْ يُبْصِرُ بِالنَّهَارِ وَلاَ يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ) قاله مجاهد، وقال غيره: من يُولَدُ أعمى، زاد الهروي من عُمِيَ بعد أن يُولَدَ، وقال ابن فارس والضَّحاك: إنَّه الأعمى مطلقًا، ومن يبصر نهارًا دون اللَّيل فهو الأعشى، والأصحُّ أنَّ الأكمه من وُلِدَ أعمى؛ لأنَّ الإعجاز إنَّما يكون في أثر الذي وُلِدَ أعمى.


[1] صورتها في الأصل:((ليهب)) والمثبت من التَّنزيل.