التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب: {إن قارون كان من قوم موسى} الآية

          ░33▒ (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى}[القصص:76]).
          قيل: كان ابن عمِّه كما صرَّح به النَّخعي؛ لأنَّه كان قارون بن صافر بن (1) قاهث وموسى بن عمران بن قاهث، وقيل كان قارون عمَّ موسى، وقال ابن عبَّاس ابن خالته، قال قتادة: كان يُسمَّى المنوَّر لجماله، ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ للتَّوراة منه، ولكنَّه نافق وكان من السَّبعين الذين اختار موسى من قومه لميقات ربِّه فبغى عليهم، أي: طلب الفضل عليهم، وقيل: أظهر الفضيلة عليهم بكثرة المال، وقيل: بغيه حسده هارون على الحُبُورة.وقال ابن عبَّاس: بغى على موسى وفضَّل الإفساد عليه / كان قارون يسكن تنيس وما والاها، ولمَّا سكن عبد العزيز الجروي تنيس عثر على بعض ماله فحصل منه ما لا يعلمه إلَّا الله، بحيث أنَّه لمَّا تُوفِّيَ تورَّع ابنه الحسن شيخ البخاريِّ عن أخذ إرثه منه لأنَّه لم يستطبه (2)، فقال أخوه علي لما ملك تنيس: يا أخي إنِّي قد استطبت لك من مال أبيك مائة ألف ألف دينار فخذها، فقال: أما تركت الكثير من ماله فكيف آخذ القليل؟ ذكره صاحب «تاريخها».
          قوله: ({وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّة}[القصص:76]) قال خيثمة: كانت من جلود، أي: الإبل كما قال مجاهد، وكلُّ مفتاح منها على قدر الإصبع يحملها ستُّون بغلًا إذا ركب، وقال غيره: أربعون بغلًا، وقال الضَّحاك: أربعون رجلًا، قال ابن عيينة: العصبة أربعون، وقال مجاهد: من عشرة إلى خمسة عشر، وقال ابن فارس: العصبة من الرِّجال نحو العشرة، وقيل: هم من العشرة إلى الأربعين.
          قوله: ({لَتَنُوءُ (3)}[القصص:76]: تَثْقِلُ) قاله أبو عبيدة وغلط فيه، وصحَّح قول ابن دريد أنَّه قال: نؤت بالحمل إذا نهضت به على ثقل.
          قوله: (يُقَالُ: {الفَرِحِينَ}[القصص:76]: المَرِحِينَ) أي: البطرين الذين لا يشكرون الله فيما أولاهم.
          قوله: ({وَيْكَأَنَّ}[القصص:82]: مِثْلُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ) هذا قول المفسِّرين، وقال قتادة: معناها أو لا يعلم.وكُتِبَت في المصحف متَّصلة، كأنَّه لمَّا كَثُرَ استعمالها جعلوها مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد.وقال سيبويه: سألت الخليل عنها وعن {وَيْكَأَنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[القصص:82] فزعم أنَّها وي مفصولة عن كأنَّ.وقال الكسائيُّ: هنا صلة وفيه معنى التَّعجُّب، وقيل: (وَيْكَ) بمعنى ويلك و(أنَّ) منصوبة بإضمار اعلم، وأنكر بأنَّه لم يخاطب في التِّلاوة واحد.
          وقال قُطْرُب: وي كلمة وكأنَّ حرف تشبيه.وذكر الهروي عن الخليل (وَيْكَ) كلمة و(أنَّ) كلمة.قال الفرَّاء: سقط ابنٌّ لأعرابيٍّ في ركيِّة فسأله عنه أعرابي فقال: ويكأنَّه ما أخطأ الركيَّة فجعلها كلمة موصولة.وقال الأخفش: أصله ويك، وهي كلمة تنبيه، ثمَّ أضمر بعدها أعلم، أو ألم يعلم فصار أنَّ متعلِّقًا به، والتَّقدير ويك أعلم أو ألم يعلم، قيل وهو الأظهر، وقال سيبويه إنَّه وي دخل على كأنَّ، ووي كلمة يستعملها النَّادم إظهارًا للنَّدامة، وكأنَّ بمعنى ألم تر أنَّ، أي: ألم تر أنَّ الله يبسط.


[1] في الأصل: مكررة.
[2] في الأصل:((يسبطه)) والمثبت هو الصواب.
[3] صورتها في الأصل:((تنوء)) والصَّواب المثبت.