التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت}

          ░44▒ (بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا}[مريم:16]).
          اعلم أنَّه سبق أنَّه اختُلِفَ في نبوِّتها وأنَّ الحسن قال ليس من الجنِّ نبيُّ ولا من النِّساء نبيَّة، وأنَّ ابن وهب وجماعة قالوا إنَّها نبيَّة، وهي صدِّيقة بنصِّ القرآن.قال السُّهيليُّ: لم يذكر الله في كتابه امرأة باسمها إلَّا مريم ابنة عمران ذكرها في نحو من ثلاثين موضعًا لِحِكَمٍ ذكرها بعض الأشياخ، فقال: إنَّ الملوك والأشراف لا يذكرون حرائرهم في الملأ ولا يبتذلون أسماءهن بل يُكنُّون عن الزَّوجة بالعرس والأهل والعيال / ونحو ذلك، وإذا ذكروا إماءهم صرَّحوا بأسمائهنَّ ولا يُكنُّون عنهنَّ، فلمَّا قالت النَّصارى في مريم وابنها ما قالوا صرَّح الله باسمها، ولم يكن عنها تأكيد (1) للأموَّة والعبوديَّة التي هي صفة لها، وأجرى الكلام على عادة العرب في ذكر إمائهم، ومع هذا فإنَّ عيسى لا أب له، واعتقاد هذا واجب فإذا تكرَّر هذا منسوبًا إلى الأم استشعرت القلوب ما يجب اعتقاده من نفي الأب عنه وتنزيه الأمَّ الطَّاهرة عن مقالة اليهود.
          قوله: ({إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا}[آل عمران:33]) إلى آخره، أي: اختارهم، وهذا تمثيل لأنَّ الشَّيء الصَّافي هو النَّقي من الكدر وصفوة الله الأنبياء من البشر.
          قوله: ({عَلَى العَالَمِينَ}[آل عمران:33]) أي: عالمي زمانهم، قاله المفسِّرون.
          قوله: ({وَآلَ عِمْرَانَ}[آل عمران:33]) مريم وأختها أمُّ يحيى وأمُّ عيسى وتقدَّم ذكر اسمها.
          قوله: (وَآلِ عِمْرَانَ، وَآلِ يَاسِينَ، وَآلِ مُحَمَّدٍ) ظاهره أنَّ آل ياسين غير آل محمَّد، وقال ابن عزير: من قرأ سلام على آل ياسين، أي: آل محمَّد، ومن قرأ إلياسين قيل هو إلياس وإله أهل دينه، وقيل إلياس وإلياسين واحد مثل ميكال وميكائيل.


[1] في الأصل:((تأكيداً)).