التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث الخضر مع موسى ♂

          ░27▒ (بَابُ حَدِيثِ الخَضِرِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا / السَّلاَمُ).
          قال النَّوويُّ: جمهور العلماء على أنَّ الخَضِر حيٌّ موجود بين أظهرنا، وذلك متَّفق عليه عند الصُّوفية وأهل الصَّلاح والمعرفة، وحكاياتهم في رؤيته والاجتماع به في الأماكن والأخذ عنه وسؤالاته وجوابه ووجوده في الأماكن الشَّريفة ومواطن الخير أكثر من أن تُحصَرَ وأشهر من أن تُذكَرَ.وقال ابن الصَّلاح: هو حيٌّ عند جماهير العلماء والصَّالحين والعامَّة معهم في ذلك، وإنَّما شذَّ بإنكاره بعض المحدِّثين، فقال بعضهم هو نبيٌّ، واختلفوا في كونه مرسلًا.
          وقال القُشيريُّ وكثيرون هو وليٌّ، وحكى الماورديُّ في «تفسيره» ثلاثة أقوال: أحدها نبيٌّ، والثَّاني وليٌّ، والثَّالث أنَّه من الملائكة وهذا غريب باطل.قال المازريُّ وقد حكى القولين الأوَّلين: وقد احتجَّ من قال بنبوَّته بقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}[الكهف:82] فإنَّه يدلُّ على أنَّه نبيٌّ أُوْحِيَ إليه وبأنَّه أعلم من موسى ويبعد أن يكون وليٌّ أعلم من نبيٍّ، وأجاب الآخرون بأنَّه يجوز أن يكون قد أوحى الله إلى نبيٍّ في ذلك الزَّمان أن يأمر الخَضِر بذلك أو قد يكون قد ألقي إليه بطريق الإلهام كما ألقي إلى أم موسى في قوله:{إِذْ (1) أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ} الآية [طه:38-39].
          وقال الثَّعلبي المفسِّر: الخضر نبيٌّ معمِّر على جميع الأقوال محجوب عن الأبصار _يعني أبصار أكثر النَّاس_ قال: وقيل إنَّه لا يموت إلَّا في آخر الزَّمان حتَّى يرتفع القرآن، وفي أنَّ الخَضِر كان في زمن إبراهيم الخليل أم بعده بقليل أم بكثير ثلاثة أقوال، وكنيته أبو العبَّاس، واسمه بلياء _بموحَّدة مفتوحة ثمَّ مثنَّاة من تحت ساكنة_ بن مَلْكان _بفتح الميم وسكون اللَّام_ بن فالح بن عامر بن شالخ (2) بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وكان أبوه من الملوك، قلت: وسألت بعض أولياء الله بمكَّة حين كنت حاجًّا (3) وإنَّها في سنة عشرين وثمانمائة: هل رأيت الخضر وأقسمت عليه بوجه الله لتخبرني؟ فاشمأزَّ لذلك، فعرَّفته عظم السؤال بوجه الله فأخبرني أنَّه رآه، وأنَّه من أحسن خلق الله، وعلى كتفه عامود (4) نور تضربان إلى عنان السماء، فقلت له: وكيف له بذلك؟ قال: أرسل إلي فأتيته فلمَّا وصلت إليه أشار إليَّ بيده أن تقرَّب، ثمَّ ضحك إليَّ، قلت: هيه، فقال: حسبك وكفَّ عن الكلام، والله أعلم.
          وقد استدلَّ العلماء بقول موسى ◙ : كيف السَّبيل إلى لقائه؟ على استحباب الرِّحلة في طلب العلم والاستكثار منه والأخذ ممَّن هو أعلم منه، والسَّعي إليه في تحصيله.


[1] صورتها في الأصل:((وأوحينا)) والصَّواب المثبت.
[2] في الأصل:((شمالخ)).
[3] في الأصل:((حجا)).
[4] في الأصل: غير واضحة.