التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب هل يؤذن أو يقيم إذا جمع بين المغرب والعشاء؟

          ░14▒ بَابُ هَلْ يؤذِّنُ أَوْ يُقِيمُ إذا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ والعِشَاءِ؟
          1109- ذكر فيه حديثَ ابنِ عُمَرَ قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلَاةَ المَغْرِبَ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ العِشَاءِ. قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَفْعَلُهُ ثُمَّ ذَكرَ إِقامتَهُ لكلٍّ مِنهُما).
          1110- وذكر فيه أيضًا حديث أنسٍ: (أَنَّه صلعم كَانَ يَجْمَعُ...) الحديث.
          الشرح: هذان الحديثان سلفا في الباب قبله، والأوَّل في باب: صلاة المغرب في السفر، والبخاريُّ روى الثاني عن إسحاقَ أخبرنا عبد الصمد.
          وإسحاق: هو ابن إبراهيم كما ذكره البخاريُّ في باب: مَقْدَمِ رسول الله صلعم المدينة، وذكر الكَلَاباذيُّ أنَّ إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور يرويان عن عبد الصَّمد، وروى مسلمٌ في الحجِّ عن إسحاقَ بن منصورٍ عن عبد الصَّمد.
          ورواه أبو نُعَيمٍ من حديث إسحاق بن إبراهيم، حدَّثنا عبد الصَّمد، ثمَّ قال: رواه البخاريُّ عن إسحاقَ عن عبد الصمد.
          وقوله: (يُقِيْمُ المَغرِبَ ثُمَّ يُقِيْمُ الْعِشَاءَ) ظاهره أراد به الإقامة وحدها على ما جاء في الجمع بعرفة ومزدَلِفة من الاختلاف في إقامتها، وإن كان يحتمل أيضًا أن يكون المراد بما تُقام به الصلوات في أوقاتها مِن الأذان والإقامة، وقد سلف الكلام على ذلك في باب الأذان.
          وقال ابن المنذر: يؤذِّن ويُقيمُ، فإن أقام ولم يؤذِّن أجزأه، ولو ترك الأذان والإقامة لم يكن عليه إعادة الصَّلاة وإن كان مسيئًا بتركه ذلك.
          وقال ابن التِّين: لم يذكر أنَّه أذَّن لها، وذكر بعض المخالفين عنه أنَّه كان يُقِيم للمغرب خاصَّةً.
          وقد اختلف العلماء في ذلك:
          فقال مالكٌ: يصلِّيهما بأذانين وإقامتين، وقال ابن الماجِشُون: بأذانٍ وإقامتين.
          قلتُ: وهو ما فعله ◙ بالمزدَلِفة كما أخرجه مسلمُ مِن حديث جابرٍ، وبعرفة كما أخرجه الشافعيُّ عنه، وعند ابن الجلَّاب بإقامتين، وذكر عن ابن عمر الإقامة في الأولى، فأثبت مالكٌ الأذان فيهما لأنَّهُ الشأن في الجماعة، وأسقط عبد الملك الأذان مِن الثانية لأنَّه لا إعلام، فإنَّهم متأهِّبُون، وأسقط ابن الجلَّاب الأذان للحضور، ونقض بجمع المطر، ويلزم عليه أَلَّا يؤذِّن للمغرب وإن لم يجمع، وأسقط ابن عمر الإقامة في الثانية لأنَّ الإقامة أذانٌ في الحقيقة، كذا قال: وقد علمت أنَّ ظاهر فِعل ابن عمر أنَّه أقام لهما. وعندنا: إن جمع في وقت الأولى أذَّن لها وأقام لكلٍّ، أو وقت الثانية وبدأ بالأولى لم يؤذِّن للثانية، والأولى كفائتةٍ فيأتي الخلاف، وجزم الإمام هنا أنَّهُ يؤذِّن لها لأنَّها مؤدَّاةٌ، وإن بدأ بالثانية أذَّن لها على الأصحِّ دون الأخرى، وقيل يؤذِّن لكلٍّ مِن صلاتي الجمع قدَّم أو أخَّر.
          تنبيه: قال الدَّاوديُّ: أتى البخاريُّ بهذا الحديث بهذا السند وذكر فيه الجمع، ولم يقل: قلَّما يلبث إلَّا في حديثٍ أتى به بعده، فإمَّا أن يكون أتى ببعض الحديث، ثمَّ أتى ببعضه في حديثٍ آخرَ، ثمَّ أتى به هاهنا على التمام، أو يكون نقص مَن نقل أدخل بعض الحديثين في بعضٍ، فإن يكن المحفوظ ما هنا أنَّه لبث بعد المغرب شيئًا، فليس هذا صِفة الجمع إلَّا أن يكون أراد القليل جدًا كالذي فعلوا بمزدَلِفة حين أناخوا رواحلهم، وإلَّا فلا يكون جمعًا.