التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الإيماء على الدابة

          ░8▒ بَابُ الإِيْمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ.
          1096- ذكر فيه حديث عَبْدِ اللهِ بن دينارٍ قال: (كَانَ عبدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ، أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُوْمِئ، وَذَكَرَ عَبْدُ الله أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ يَفْعَلُهُ).
          هذا الحديث تفرَّد البخاريُّ فيه بذكر الإيماء، وأصله في مسلمٍ أيضًا، وكأنَّ الظاهر المراد بها هنا التكرار، وهو المستعمل غالبًا.
          ومعنى: (أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ) أي: إلى القبلة وغيرها، ومقصده بَدَلٌ عن القبلة.
          قال مالكٌ _فيما رواه عليُّ بن زيادٍ_ فيمَن صلَّى على راحلتِهِ في محمله مشرِّقًا أو مغرِّبًا لا ينحرف إلى القبلة وإن كان يسيرًا وليصلِّ قِبَلَ وجهه عملًا بهذا الحديث، ومفهوم ذلك أن يجلس عليها على هيئة التي يركبها عليها غالبًا ويستقبل بوجهه ما استقبلته الرَّاحلة، والتقدير: يُصلِّي على راحلته إلى حيث تَوَجَّهت به، ويحتمل أن يقدَّر أنَّه كان يصلِّي على راحلته وهي حيث تَوَجَّهت إلَّا أنَّه ينحرف عن القبلة، والأوَّل أصحُّ لأنَّه يتعلَّق بقوله: (عَلَى رَاحِلَتِهِ) ولأنَّه رُويَ مفسَّرًا في حديث عامر بن ربيعةَ كما سلف، ويأتي ولأنَّه لا فائدة في قوله: (حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ) إذا كان ينحرف إلى القبلة إلَّا ما يفيده قوله: (عَلَى رَاحِلَتِهِ)، وهذا في نفس الصَّلاة، وأمَّا افتتاحها فذهب مالكٌ إلى أنَّه وغيره سواءٌ، وقال الشافعيُّ وأحمد: يفتتحها مستقبلًا ثمَّ يصلِّي كيف أمكنه دليلهما حديث ابن عمر، ودليل مالكٍ القياس على باقي الصَّلاة.
          فرع: راكب السفينة يلزمه الاستقبال إلَّا للملَّاح. وفي «المدوَّنة» موافقتنا خلافًا لابن حبيبٍ عنه.
          وقوله: (يُومِئُ) فيه أنَّ سُنَّة الصَّلاة على الدَّابَّةِ الإيماء ويكون سجوده أخفض مِن ركوعه تمييزًا بينهما، وروى أشهبُ عن مالكٍ في الذي يصلِّي على الدَّابَّةِ أو المحمل: لا يسجد بل يومئ لأنَّ ذلك مِن سنَّة الصَّلاة على الدَّابَّةِ، وقال ابن القاسم: المصلِّي في المحمل متربِّعًا إن لم يشقَّ عليه أن يثني رجليهِ عند سجوده فليفعل.
          قال ابن حبيبٍ: وإذا تنفَّل على الدَّابَّةِ فلا ينحرف إلى جهة القبلة، وليتوجَّه لوجه دابَّتِهِ، وله إمساك عنانها وضربها وتحريك رجليه، إلَّا أنَّه لا يتكلَّم، ولا يلتفت ولا يسجد الرَّاكب على قَرَبوس سرجه، ولكن يومئ. واستحبَّ أحمدُ وأبو ثورٍ في الافتتاح التوجُّه ثمَّ لا يبالي حيث تَوَجَّهت به، والحُجَّة لهم حديث أنسٍ: ((أنَّ النَّبِيَّ صلعم كانَ إذا سافَرَ فأرادَ أن يَتَطوَّعَ استقبلَ بناقتِهِ القِبْلَةَ فَكبَّر ثمَّ صَلَّى حيثُ وجَّهه ركابُهُ)) رواه أبو داودَ بإسنادٍ حسنٍ.
          وليس في الأحاديث السالفة الاستقبال في التكبير وهي أصحُّ منه، وحُجَّة الجمهور وَهُم مَن قال بأنَّه لا يشترط الاستقبال في التكبير القياس على الباقي.
          فرع: اختلف قول مالكٍ في المريض العاجز عن الصَّلاة على الأرض إلَّا إيماءً، هل يصلِّي الفريضة على الدَّابَّةِ في محمله، ففي «المدوَّنة»: لا، وروى أشهبُ: نعم ويوجَّه إلى القبلة، وفي كتاب ابن عبد الحكم مثله.