التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب من تطوع في السفر في غير دبر الصلوات وقبلها

          ░12▒ بَابُ مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ، فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَاةِ وَقَبْلَهَا وَرَكَعَ النَّبِيُّ صلعم رَكْعَتَيِ الفَجْرِ فِي السَّفَرِ.
          1103- ثمَّ ذكر حديثَ ابنِ أبي لَيْلَى قال: (مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلعم صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ...) الحديث.
          1104- وقال اللَّيْثُ: حدَّثني يُونُسُ عن ابن شِهَابٍ عن عَبْدِ اللهِ بنِ عامرٍ عن أبيه: (أَنَّهُ رَأَى النَّبيَّ صلعم صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ).
          1105- وحديث ابن عُمَرَ: (أَنَّه ◙ كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ...) الحديث.
          الشرح: أمَّا صلاته ركعتي الفجر فهو في حديث نومهم بالوادي، أخرجه مسلمُ مِن حديث أبي قَتَادةَ وأبي هُرَيرةَ بلفظ: ((فصلَّى ◙ رَكْعَتينِ، ثُمَّ صَلَّى الغَدَاةَ)).
          وصرَّح بذلك أبو داودَ في حديث عمرو بن أُمَيَّة الضَّمْريِّ، وذي مخبرٍ أو مِخْمَرٍ الحبشيِّ في «سنن أبي داود» بإسناده الصحيح، وفي «صحيح ابن حبَّان» و«مستدرك الحاكم» مِن حديث أبي هريرة ☺ قال: قال رسول الله صلعم: ((مَن لَمْ يُصلِّ ركعتي الفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِما إذا طَلَعتِ الشَّمْسُ)) قال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشيخين.
          وحديث أمِّ هانئٍ سلف في باب التستُّر في الغسل عند الناس، ويأتي في الضُّحى قريبًا، ثمَّ هنا ((أنَّه اغتسل في بيتها))، وفي «الموطَّأ»: ((ذهبت إليه فوجدته يغتسلُ، وفاطمة ابنته تسترهُ)).
          قال ابن التِّين: فإمَّا أن يكون أحدهما وهمًا، أو يكون الشارع وفاطمة أتيا بيت أمِّ هانئٍ وهي غائبةٌ.
          وفيه تخفيف النافلة مع إتمام الركوع والسجود.
          وتعليق الليث سلف في باب: ينزل للمكتوبة قريبًا عن يحيى بن بُكَيرٍ عنه، وهنا زيادةٌ أنَّ صلاة السُّبحة كانت ليلًا.
          وحديث ابن عمر سلف، وقد سلف في الباب قبله: مَن لم يتطوَّع في السفر قبلَ الفرض وبعده.
          ولنذكر هنا مَن تَطوَّع فيه: قال ابن المنذر: رُوِّيناه عن عُمَرَ وعليِّ وابن مَسْعُودٍ وجابرٍ وابن عبَّاسٍ وأنسٍ وأبي ذرٍّ وجماعةٍ من التابعين، وهو قول مالكٍ والكوفيِّين والشافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ وأبي ثورٍ، وصحَّحَهُ ابن بطَّالٍ لأنَّه ثبتَ عن الشارع أنَّه كان يفعله في السفر مِن غير وجهٍ، وليس قول ابن أبي ليلى بحُجَّةٍ تُسقط صلاة الضُّحى لأنَّ كثيرًا مِن الأحاديث يرويها الواحد مِن الصَّحابة يُلجأ إليه، ويصير سُنَّةً معمولًا بها، وما فعله الشارع مرَّةً اكتفت أمَّته بذلك فكيف وقد روى أبو هريرة وأبو الدَّرداء عن النَّبِيِّ صلعم أنَّهُ أوصاهما بثلاثٍ منها: ((وَرَكْعَتي الضُّحَى)).
          وروى التِّرْمذيُّ من حديث أبي بُسْرة الغِفَاريِّ عن البَرَاء قال: ((صَحِبْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شهرًا فَمَا رَأَيْتُهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ)).
          وذكره ابن بطَّالٍ بلفظ: ((سَافَرْتُ مَعَه ثمان عَشْرةَ سفرةً))، وهو لفظ _أبي داودَ_ وفي الباب عن عمر، وحديث البراء غريبٌ، وسألت محمَّدًا عنه فلم يعرف اسم أبي بُسْرة الغفاريِّ، ورآه حسنًا.
          ورُوي عن ابن عمر أنَّه ◙ كان لا يتطوَّع في السَّفر قبل الصَّلاة ولا بعدها، ورُوي عنه عن رسول الله صلعم أنَّه كان يتطوَّع في السَّفر.
          قال: وقد اختلف أهل العلم بعد رسول الله صلعم، فرأى بعض الصَّحابة أن يتطوَّع الرجل في السفر، وبه يقول أحمد وإسحاق، ولم يره طائفةٌ قبلها ولا بعدها.
          ومعنى مَن لم يتطوَّع في السفر قبول الرُّخصة، ومَن تطوَّع فله في ذلك فضلٌ كبيرٌ، وهو قول أكثر أهل العلم يختارون التطوُّعَ فيه.
          ثمَّ روى حديث حجَّاجٍ عن عطيَّةَ عن ابن عمر قال: ((صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلعم الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ)) حديثٌ حسنٌ، وقد رواه ابن أبي ليلى عن عطيَّةَ ونافعٌ عن ابن عُمَرَ ثمَّ ساقه بزيادة: ((ركعتينِ بَعْدَ المغرِبِ في السَّفر)) ثمَّ قال: حديثٌ حسنٌ، سمعت محمَّدًا يقول: ما روى ابن أبي ليلى حديثًا أعجب إليَّ مِن هذا.
          قال البيهقيُّ: ومضتْ أحاديث في تطوُّعه ◙ في أسفاره على الراحلة، ثمَّ أسند حديث ابن عبَّاسٍ قال: ((سنَّ رسول الله صلعم _يعني صلاة السفر_ ركعتينِ، وسنَّ صلاة الحَضَر أربع ركعاتٍ)) فكما الصَّلاة قبل صلاة الحَضَر وبعدها حسنٌ فكذلك الصَّلاة في السفر قبلها وبعدها.
          وذكر السَّرخسيُّ في «المبسوط» والمَرْغِيْنَانِيُّ مِن الحنفيَّةِ: / لا قصر في السُّنن، وتكلموا في الأفضل: قيل الترك ترخُّصًا، وقيل الفعل تقرُّبًا، وقال الهندوانيُّ منهم: الفعل أفضل في حالة النزول والترك في حالة السفر.
          قال هشامٌ: رأيتُ محمَّدًا كثيرًا يتطوَّع في السفر قبل الظهر وبعدها، ولا يَدَعُ ركعتي الفجر والمغرب، وما رأيته يتطوَّع قبل العصر ولا قبل العشاء، ويُصلِّي العشاء ثمَّ يُوْتِرُ. انتهى.
          وفي صلاة الشَّارع الضُّحى يوم الفتح، وركعتي الفجر في السفر دليل على جواز التنفُّل بالأرض لأنَّه لَمَّا جاز له التنفُّلُ على الرَّاحلة كان في الأرض أجوز.
          وقد قال الحسن البصريُّ: كان أصحاب النَّبِيِّ صلعم يسافرون ويتطوَّعون قبل المكتوبة وبعدها.
          قال ابن بطَّالٍ: وهو قول جماعة العلماء.