التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب صلاة التطوع على الدواب وحيثما توجهت به

          ░7▒ بَابُ صَلَاةِ التَّطوُّعِ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ.
          ذكر فيه ثلاثة أحاديث:
          1093- أحدها: حديث عامرٍ: قال: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ).
          1094- ثانيها: حديث جابرٍ: (أَنَّهُ ◙ كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهُوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ القِبْلَةِ).
          1095- ثالثها: حديث نافِعٍ: (كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ يَفْعَلُهُ).
          الشرح: حديث عامرٍ أخرجه مسلمٌ، ويأتي أيضًا.
          وعامر: هو ابن ربيعةَ بن كعب بن مالكٍ، بدريٌّ، حليف الخطَّاب أبي عمر، أسلم قديمًا وهاجر إلى الحبشة، ومات قبيل عثمان. وفي رواية للإسماعيليِّ: ((تطوُّعًا حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ)).
          وحديث جابرٍ يأتي في باب: ينزل للمكتوبة، وهو مِن أفراده.
          وحديث ابن عمر سلف في باب: الوِتر على الدَّابَّةِ، وهو دالٌّ على أنَّ البخاريَّ يرى أنَّ الوتر سُنَّةٌ، حيث أورده في هذا الباب.
          ولا خلاف أنَّ للمسافر سفرًا طويلًا التنفُّل على دابَّتِهِ حيث توجَّهت به لهذه الأحاديث الصحيحة، وذلك مُستثنى من استقبال القبلة، وتخصيص قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144] ويبيِّن أنَّ ذلك في المكتوبات، ويفسِّر قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [البقرة:115] أنَّه في النَّافلة على الدَّابَّةِ.
          وقد رُوي / عن ابن عمر أنَّ هذه الآية نزلت في قول اليهود في القِبلة، وممَّن نصَّ على ذلك مِن الفقهاء عليٌّ والزُّبيرُ وأبو ذرٍّ وابنُ عمر وأنسٌ، وقال به طاوسٌ وعطاءٌ ومالكٌ والثوريُّ والكوفيُّون والليثُ والأوزاعيُّ والشافعيُّ وأحمدُ وأبو ثورٍ، غير أنَّ أحمد وأبا ثورٍ كانا يستحبَّان أن يستقبل القبلة بالتكبير.
          واختلفوا في الماشي فأجازه الشافعيُّ، ومنعه مالكٌ تمسُّكًا بمورد النصِّ، واختلفوا في السفر القصير، فأظهر قولي الشافعيِّ جوازه فيه، ووافقه مَن سلف ذكره ممَّن عددنا خلا مالكًا فمنع، وقاسه على الفطر والقصر.
          واختلفوا في جوازه في الحضر فجوَّزه أبو يوسفَ والإصطخريُّ من الشافعيَّةِ، والأصحُّ المنع كالفرض، حُجَّة مالكٍ في اشتراط سفر القصر أيضًا بأنَّ الشارع إنَّما فعل ذلك في سفره إلى خيبر، ولم يُنقل عنه فعل ذلك إلَّا في سفر القصر، ولأنَّ القبلة آكدُ لأنَّ الصَّلاة تُقصر في السفر، ولا يُعدل فيها عن القبلة مع القدرة، فلمَّا امتنع القصر في القصير وهو أضعف، فالقبلة أولى.
          أجاب الجمهور بأنَّ الأحاديث الواردة في الباب ليس فيها تحديد سفرٍ ولا تخصيص مسافةٍ، فوجب حملها على العموم في كلِّ ما يُسمَّى سفرًا، وبالقياس على إسقاط الفرض بالتيمُّمِ إذا عُدِمَ الماء في السفر القصير. قال الطَّبريُّ: ولا أعلم مَن وافق مالكًا في ذلك.