التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الجهر بالقراءة في الكسوف

          ░19▒ بَابُ الجَهْرِ بِالقِرَاءَةِ في الكُسُوفِ.
          1065- 1066- ذكر فيه حديث الوليدِ، أخبرنا ابن نَمِرٍ سمع ابن شِهَابٍ عن عُروةَ عن عائشةَ: (جَهَرَ النَّبِيُّ صلعم فِي صَلاَةِ الخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ).
          الشرح: حديث ابن نَمِرٍ أخرجه مسلمٌ أيضًا، وأبو داودَ والنَّسائيُّ.
          واسم (ابْنِ نَمِرٍ) عبد الرَّحمن اليَحْصِبِيُّ، روى عنه الوليد بن مُسْلِمٍ فقط، قال أبو حاتمٍ وغيره: ليس بالقويِّ. وأخرج له مسلمٌ أيضًا.
          وقول البخاريِّ: (وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَغَيْرُهُ، سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ...) الحديث. ذكر خلفٌ أنَّ مسلمًا رواه عن محمَّد بن مِهْران حدَّثنا الوليد، حدَّثنا الأوزاعيُّ عن ابن شهابٍ ثمَّ قال: وهو في حديث البخاريِّ عن محمَّد بن مِهْران عن الوليد، وقال _يعني الوليدَ_ وقال الأوزاعيُّ وغيره: سمعت الزُّهريُّ.
          وأبو داود أخرجه عن عبَّاس بن الوليد عن أبيه عن الأوزاعيِّ.
          وقول البخاريِّ: (تَابَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ). أمَّا متابعة سفيان فأخرجها التِّرْمذيُّ مِن حديث إبراهيم بن صَدَقة عنه قال: وروى أبو إسحاق الفزاريُّ، عن سُفيان بن حسينٍ نحوه مِن حديث ابن إسحاقَ.
          وأمَّا متابعة سُليمان فأخرجها البيهقيُّ مِن حديث محمَّد بن كثيرٍ عنه عن الزُّهريِّ به، وفيه: ((فَجَهرَ بالقُرْآنِ وَأَطَالَ)). وذكر حديث الجهر أيضًا مِن حديث عُروة عن عائشة وقال: ورُوِّينا عن حنشٍ عن عليٍّ أنَّه جهَرَ بالقراءة في صلاة الكُسُوفِ، قال: وفيما حكى التِّرْمذيُّ عن البخاريِّ أنَّه قال: حديث عائشةَ في الجَهْر أصحُّ عندي مِن حديث سَمُرةَ أنَّه صلعم أسرَّ بالقراءةِ فيها.
          ونقل البيهقيُّ عن أحمدَ أنَّ حديث عائشة في الجهر تفرَّد به الزُّهريُّ، قال: وقد رُوِّينا مِن وجهٍ آخرَ عن عائشةَ ثمَّ عن ابن عبَّاسٍ ما يدلُّ على الإسرار بها مِن النبيِّ صلعم.
          إذا تقرَّر ذلك: فاختلف العلماء في القراءة في صلاة الكسوف، فقالت طائفة: يجهر بها، رُويَ ذلك عن علِيٍّ، وبه قال أبو يوسفٍ ومحمَّدُ وأحمدُ وإسحاقُ، وحكاه التِّرْمذيُّ عن مالكٍ، واحتجُّوا بحديث سُفيانَ وابن نَمِرٍ عن الزُّهريِّ.
          وقالت طائفة: يُسرُّ بالقراءة فيها، رُوي ذلك عن عثمانَ بن عفَّانَ وابن مَسْعُودٍ وابن عبَّاسٍ، وهو قول مالكٍ والليثِ والكوفيين والشَّافعيِّ، واحتجُّوا بحديث ابن عبَّاسٍ السَّالف: فقرأ قراءةً طويلة نحوًا مِن سورة البقرة، ولو جهر فيها لم يقلْ نحوًا مِن سورة البقرة.
          وأمَّا سُفيان بن حسينٍ، وعبد الرحمن بن نَمِرٍ وسُليمان بن كثيرٍ فكلُّهم ضعيفٌ في حديث الزُّهريِّ، وفيما ساقَه البخاريُّ مِن رواية الأوزاعيِّ عن ابن شهابٍ ولم يذكر عنه الجهرَ ما يردُّ رواية الوليد عن ابن نَمِرٍ في الجهر. فيبقى سُليمان وسُفيان، وليسا بحُجَّةٍ في الزُّهريِّ لضعفهما، وقد عارضهما حديث عائشةَ وابن عبَّاسٍ وسَمُرةَ.
          أمَّا حديث عائشة فرواه ابن إسحاق عن هِشَام بن عُروةَ وعبد الله بن أبي سَلَمة عن عروةَ عن عائشةَ قالت: ((كُسِفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم، فَخَرجَ فَصَلَّى بالنَّاسِ، فَأَطالَ القِيام، فَحَزَرْتُ أنَّه قَرَأَ بِسُورةِ البَقَرةِ)) قال: ((وَسَجدَ سَجْدَتينِ ثُمَّ قامَ، فَحَزَرْتُ أنَّه / قَرَأَ: بسُورة آل عمران)).
          وقد سلف عنها ما يخالفه، فيُحمل ذاك على خسوف القمر.
          وأمَّا حديث ابن عبَّاسٍ فرواه ابن لَهِيعةَ، عن يزيدَ بن أبي حبيب عن عِكرمة عن ابن عبَّاسٍ قال: ((كنتُ إلى جنبِ رسول الله صلعم في صلاة الكُسُوف، فما سمعتُ منه حرفًا)).
          وأمَّا حديث سَمُرةَ فرواه ثعلبة بن عبَّادٍ عنه قال: ((صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صلعم صَلَاةَ الكُسُوفِ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا)) رواه أصحاب السُّنن الأربعة، وصحَّحَهُ التِّرْمذيُّ وابن حبَّانَ والحاكمُ، وخالف ابن حَزْمٍ فوهَّاه.
          قال ابن القصَّار: ونقلَ السِّرَّ في صلاة الكسوف أهل المدينة خَلَفًا عن سَلَفٍ نقلًا مُتَّصِلًا، ولو تعارضت الأحاديث لبقي حديث ابن عبَّاسٍ، وهو حُجَّةٌ.
          قال الخطَّابيُّ: ويُحكى عن مذهب الشافعيِّ الجهر فيها، وبه قال ابن المنذر.
          وقوله: (أَخْطَأَ السُّنَّةَ) هو حُجَّة لمالكٍ والشافعيِّ في أنَّ السُّنَّة أربع ركعاتٍ في ركعتين.
          وقد سلف ذلك أيضًا في باب: خطبة الإمام آخر الكسوف. ولله الحمد.