التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب خطبة الإمام في الكسوف

          ░4▒ بَابُ خُطبَةِ الإِمَامِ في الكُسُوفِ.
          وقالت عَائِشَةُ وَأَسْمَاءُ: (خَطَبَ النَّبِيُّ صلعم).
          1046- ثمَّ ذكر فيه حديث عُرْوة عن عائشة قالت (خَسَفَتِ الشَّمْسُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صلعم، فَخَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ...) الحديث.
          وفيه: (وَانْجَلَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: هُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللهِ...) إلى آخره. وكان يُحَدِّث كَثِيرُ بنُ عبَّاسٍ أنَّ عَبْدَ اللهِ بنَ عبَّاسٍ كان يُحدِّثُ يَوْمَ خَسَفتِ الشَّمْسُ بمثلِ حَدِيثِ عُرْوةَ عن عَائِشَةَ، فقلت لعُرْوةَ: إنَّ أَخَاكَ يَوْمَ خَسَفتِ الشَّمْسُ بالمدَينةِ لم يَزِدْ على رَكْعَتَينِ مِثْلَ الصُّبْحِ. فقال: أَجَلْ إنَّه أَخْطَأَ السُّنَّة.
          الشرح: أمَّا حديث عائشة وأسماء فيأتيان في باب صلاة النِّساء مع الرجال في الكسوف.
          وأمَّا حديث عروة عنها فقد أخرجه مسلمُ والأربعةُ.
          وقوله: (وَكَانَ يُحَدِّثُ كَثِيرُ بْنُ عبَّاس...) إلى آخره. أخرجه مسلمُ أيضًا، فإنَّه لَمَّا أخرجه مِن حديث الزُّهريِّ عن عُروة عنها أنَّ النَّبِيّ صلعم جَهَر في صلاة الكُسُوف بقراءته فصلَّى أربع ركعاتٍ في ركعتين وأربع سجداتٍ. قال عَقِبهُ: قال الزُّهريُّ: وأخبرني كثير بن عبَّاسٍ عن ابن عبَّاسٍ عن النَّبِيِّ صلعم أنَّه صلَّى أربع ركعاتٍ في ركعتين وأربع سجداتٍ، ثمَّ أسند إلى الزُّهريِّ قال: كان كثير بن عبَّاسٍ... إلى قوله: بمثل حديث عروة عن عائشة.
          وأخرجه أبو داودَ بمثله وكذا النَّسائيُّ، ولَمَّا أورد البخاريُّ حديث عائشة قال في آخره: قال ابن شهاب: حدَّثنا كثير عن ابن عبَّاسٍ عن رسول الله مثل ذلك، ثمَّ ساق بإسناده إلى عَنْبَسة حدَّثنا يونس بهذا وزاد: فقلت لعروة... إلى آخره. وأخرج أبو نُعَيمٍ في «مستخرجه» حديث عائشة مِن طرقٍ، ثمَّ قال في آخره: زاد عَنْبَسة: وكان يحدِّث كثير بن عبَّاسٍ... إلى آخره.
          وأورد المزِّيُّ الحديث مِن طريق ابن شهابٍ عن عُروة عن عائشة أنَّ النَّبِيَّ صلعم جهر في صلاة الكسوف بقراءته، قال الزُّهريُّ: وأخبرني كثير فذكره إلى قوله: وأربع سجدات. ثمَّ عزاه إلى البخاريِّ ومسلمٍ عن محمَّد بن مِهْران قال: إلَّا أنَّ البخاريَّ لم يذكر حديث كثير بن العبَّاس، وذكر في ترجمة كثير علامة البخاريِّ ومسلمٍ، وذكر أنَّه روى عنه الزُّهريُّ، وذكر عن مصعبٍ أنَّه كان فقيهًا فاضلًا لا عَقِب له، وأمُّه أمُّ ولدٍ، وذكره يعقوب بن شَيبة في الطبقة الأولى مِن أهل المدينة فيمن وُلد في عهده صلعم، وكان يُقال له: أعبد الناس، ثقة، مات بالمدينة أيَّام عبد الملك بن مروان، ثمَّ ساق حديثه عن ابن عبَّاسٍ، وقال: أخرجوه مِن طرقٌ عن الزُّهريِّ، واضطرب فيه خلفُ والحُمَيديُّ، وقال: ليس لكثيرٍ عن أخيه في «الصحيح» غيره. وذكر الدَّارقطنيُّ واللاَّلَكَائِيُّ كثيرَ بن عبَّاس في أفراد مسلمٍ وأغرب السَّفاقسيُّ فقال: ضُبط في بعض الكتب عيَّاش بالشين المعجمة، وبعضها بالسين غير معجمة، وهو الذي رُويناه، وولد عبَّاس عشرةً، أشهرهم عبد الله.
          وقوله: (فَخَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ) فيه فعلها في المسجد دون الصَّحراء، ولعلَّهُ خوف الفوت بِالانجلاء. قال القُدُوريُّ: كان أبو حنيفة يرى صلاة الكسوف في المسجد، والأفضل في الجامع.
          وفي «شرح الطَّحاويِّ»: صلاة الكسوف في المسجد الجامع أو في مصلَّى العيد، وعند مالكٍ: تُصلَّى فيه دون الصَّحراء، وقال ابن حبيبٍ: هو مخيَّر وحُكي عن أَصْبغ، وصوَّب بعض أهل العلم المسجد في المصر الكبير للمشقَّة وخوف الفوت دون الصغير.
          وقوله: (ثُمَّ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ) إلى آخره، هو صريحٌ في الخطبة، وقد سلف الخلاف فيه في باب الصَّدَقة في الكسوف واضحًا، وخصَّ كسوفهما بأنَّهما آيتان وإن كان رؤية الأهلَّة وحدوث الحرِّ والبرد مِن الآيات أيضًا لإخبارِه لهم عن ربِّه أنَّ القيامة تقوم وهما منكسفان وذاهبا النور، فلذا أمرهم بالصَّلاة ونحوها خشيةَ أن يكون الكسوف لقيام السَّاعة ليعتدُّوا له، وهذا كان قبل أن يُعْلِمَهُ الله بأشراطها، كما نبَّه عليه المهلَّب.
          وقوله: (فَصَفَّ النَّاسُ وَرَاءَهُ) فيه تقديم الإمام على المأموم، واحتجَّ لأبي حنيفة ومَن يرى برأيه بقوله: (افْزَعُوا إِلَى الصَّلِاةِ) لأنَّها إشارةٌ إلى الصَّلاة المعهودة في الشَّرع.
          ويُجاب عنه: بأنَّه قام الدليل على ما سلف مِن الكيفية، بل الحديث حُجَّة لنا لأنَّه قال هذا القول بعد فراغه مِن الصَّلاة الموصوفة، فدلَّ أنَّه أشار بذلك إليها لأنَّه أقرب معهودٍ. وصلاة ابن الزُّبير ركعتين في الخسوف لعلَّه تأوَّلَ حديث أبي بكرة.
          وفيه: التكبير في الخفض والرَّفع، ولم ينصَّ على ذلك في الرَّفع منه ولا في سجوده، ولا في رفعه منه. وقال: سمع الله لمن حمده ربَّنا ولك الحمد / في الثانية، وقال في الأولى: سمع الله لمن حمده.