التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: لا يتزوج أكثر من أربع

          ░19▒ (بَابُ: لَا يَتَزَوَّج أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3]، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الحُسَيْنِ: يَعْنِي مَثْنَى أَوْ ثُلاثَ أَوْ رُبَاعَ، وَقَوْلُهُ تَعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:1]، يَعْنِي: مَثْنَى أَوْ ثُلاَثَ أَوْ رُبَاعَ). /
          5098- ثُمَّ ساق حديثَ عائشة ♦: ({وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى...} [النساء:3]) إلى آخره، وقد سلف.
          وقام الإجماع أنَّه لا يجوز لأحدٍ أن يجمع بين أكثر مِنْ أربع نسوةٍ في النِّكاح، وَقَالَ قومٌ لا يُعتدُّ بخلافِهم: إنَّه يجوز الزِّيادة إلى تسعٍ، محتجِّين بأنَّ معنى الآية إفادة الجمع بدليل فعلِ الشَّارع ولنا به أسوةٌ، وحجَّة الجماعة أنَّ المراد بالآية التَّخيير بين الأعداد الثَّلاثة لا الجمع، لأنَّه لو أراد الجمع بين تسعٍ لم يعدل عن لفظ الاختصار، ولقال فانكحوا تسعًا، والعرب لا تدع أن تقول: تسعةً وتقول: اثنان وثلاثةٌ وأربعةٌ، فلمَّا قَالَ: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] صار التَّقدير: مَثْنَى مَثْنَى، وثُلاثَ ثُلَاث، ورُباعَ رُباعَ، فيفيد التَّخيير كقوله تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:1]، ولأنَّه تعالى قَالَ: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:3]، واللُّغة لا تدفعُ التَّخيير بين متباعدين يكون بينهما تفاوتٌ، ولا يجوز أن يُقال: فإن خفتم ألَّا تعدلوا في التِّسع فواحدةً لأنَّه يصير بمنزلة مَنْ يقول: إن خفت أن تخرج إلى مكَّة على طريق الكوفة فامض إليها على طريق كذا، وبالقرب مِنْ مكَّة طرقٌ كثيرةٌ لا يُخاف منها، فعُلم أنَّه أراد التَّخيير بين الواحدة والاثنتين، وبين الاثنتين والثَّلاث.
          وأمَّا قولهم: إنَّه ◙ مات عن تسعٍ ولنا به أسوةٌ فإنَّا نقول: إنَّ ذلك مِنْ خصائصه، كما خُصَّ بأن ينكح بغير صداقٍ، وأنَّ أزواجه لا تُنكح بعده وغيرِ ذلك، وموته عن تسعٍ كان اتَّفاقًا، وصحَّ أنَّ غَيْلان بن سَلَمة أسلم وتحته عشر نِسوةٍ، فقال له ◙: ((اختَرْ منهنَّ أربعًا وفارق سائرهنَّ)) فسقط قولُهم.