التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب تزويج المعسر الذي معه القرآن والإسلام

          ░6▒ (بَابُ: تَزْوِيجِ المُعْسِرِ الَّذِي مَعَهُ القُرْآنُ وَالإِسْلاَمُ، فِيْهِ حَدِيْثُ سَهْلٍ ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم). /
          يريد حديثَ الَّذي أنكحها على ما معه مِنَ القرآن، وقد سلف [خ¦2310].
          5071- ثُمَّ ساق حديثَ ابن مسعودٍ: (كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صلعم لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلاَ نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ).
          وذكرَه بعدَه [خ¦5075] وَقَالَ: ليس لنا شيءٌ، وزاد: ثُمَّ رخَّص لنا أن ننكحَ المرأةَ بالثَّوب، ثُمَّ قرأ علينا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} الآية [المائدة:87].
          وجه الاستنباط على ما ترجمه أنَّه لمَّا نهى أصحابَه المعسرين عن الخِصاء، ووكلهم إلى النِّكاح دلَّ على جواز تزويج المُعسِر، ولو لم يجز التَّزويج إلَّا للأغنياء لحظرَه عليهم مِنْ أجل عسرتهم وحصل الشَّطط، فهو دليلٌ في حديث ابن مسعودٍ، ونصَّ في حديث سهلٍ بقوله: ((قَدْ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ))، وكتاب الله شاهدٌ لهذا المعنى، وهو قوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} الآية [النور:32] ودلَّ أنَّ الكفاءة إنَّما هي في الدِّين لا في المال، فإذا استجازت المرأة أو الوليُّ التَّقصير في المال جاز النِّكاح.
          وادَّعى المُهَلَّب أنَّ قوله: (تَزْوِيجِ المُعْسِرِ الَّذِي مَعَهُ القُرْآنُ وَالإِسْلاَمُ) دالٌّ على أنَّه لم يملِّكها إيَّاه على التَّعليم، ولو كان عليه لما كان معسرًا.
          وقوله: (وَالْإِسْلَامُ) يدلُّ على ذلك لأنَّها كانت مسلمةً، فلا يجوز أن يعلِّمها الإسلام، فيكون على معنى الأجرة، وإنَّما راعى له ◙ حرمةَ حفظ القرآن، ومن جعله على التَّعليم فقد يجوز ألَّا تتعلَّم شيئًا، ولا يستحقُّه الزَّوج، وقد ملَّكه الشَّارع إيَّاها قبل التَّعليم، هذا كلامه، ومراد البُخاريِّ المعسر مِنَ المال لا ما ذكره.
          وفي الدَّارَقُطْنيِّ بإسنادٍ ضعيفٍ مِنْ حديث عبد الله بن سَخْبَرَةَ عن ابن مسعودٍ في قصَّة الواهبة أنَّه صلعم في الثَّالثة قَالَ الخاطبُ: أحفظُ سورةَ البقرة وسُوَرًا مِنَ المفصَّل: ((أنكَحْتُهَا على أن تُقرِئها وتعلِّمها، وإذا رزقكَ الله عوَّضتَها))، فتزوَّجها الرَّجل على ذلك.
          وفي النَّسَائيِّ مِنْ حديث عِسْلِ بن سفيانَ _وفيه ضعفٌ_ عن عَطاءٍ عن أبي هريرة ☺ فيها أنَّه لمَّا ملَّكَتْه أمرَها، وَقَالَ له: أحفظُ البقرةَ أو الَّتي تليها، قَالَ: ((فقم فعلِّمْها عشرين آيةً، وهي امرأتُك))، وعند أبي داود: والَّتي تليها. وروى ابن أبي شيبة وغيره مِنْ حديث أنسٍ ☺ أنَّه ◙ سأل رجلًا مِنْ أصحابه فقال: ((ياَ فلان، تزوَّجتَ؟)) قَالَ: لا، وليس عندي ما أتزوَّج به، قَالَ: ((أليس معكَ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]؟ قَالَ: بلى، قَالَ: ((رُبع القرآن))، وفي غيره: ((ثلث القرآن))، الحديثَ، وفي رواية أبي الشَّيخ: ((أليس معكَ آيةُ الكرسيِّ؟)) قَالَ: بلى، قَالَ: ((ربع القرآن))، وزعم ابنُ حَبيبٍ فيما حكاه ابن الطَّلَّاع عنه أنَّه منسوخٌ بقوله: ((لا نكاحَ إلَّا بوليٍّ وشاهدي عدلٍ))، وهو عجيبٌ وأين التَّاريخ؟ قَالَ غيره: إنَّه مِنْ خواصِّه دون الصَّحابة فمَنْ بعدهم، سوى الشَّافعيِّ، إذ لعلَّ المرأة كانت تحفظ تلك السُّوَر بعينها، أو لعلَّها لو قرأتها لم تحفظها، وهي إنَّما كانت رضيت برسول الله صلعم، ولم يتزوَّج أحدٌ مِنَ الصَّحابة بأقلَّ مِنْ خمسة دراهمَ، وليس كما زعم، فالحديث شاهدٌ بنفي الخصوصيَّة ثُمَّ الأصل عدمُها، وزعم ابنُ الطَّلَّاع أنَّه يُقال: إنَّ هذِه المرأة كانت خولة بنت حَكِيمٍ، ويُقال: أمُّ شَريكٍ، قلت: وقيل غير ذلك كما أوضحته في «الخصائص».