التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الثيبات

          ░10▒ (بَابُ: نِكَاحِ الثَّيِّبَاتِ.
          وَقَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ: قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صلعم: لاَ تَعْرِضْنَ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلاَ أَخَوَاتِكُنَّ).
          5079- ثُمَّ ساق حديثَ جابرٍ: (قَفَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم مِنْ غَزْوَةٍ...) الحديث، وفيه: (فَهَلَّا جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ).
          5080- وفي روايةٍ: (مَا لَكَ وَلِلْعَذَارَى وَلِعَابِهَا).
          الشَّرح: حديثُ أمِّ حبيبة أسندَه بعدُ [خ¦5101] عن الحكم بن نافعٍ، حَدَّثنا شُعيبٌ عن الزُّهْريِّ أخبرني عروة أن زينبَ بنت أبي سَلَمة أخبرته عنها، ووجه مطابقته للتَّرجمة أنَّه خاطَبَ أزواجَه ونهاهنَّ أن يعرضْن عليه ربائِبَه لحرمتهنَّ، وهو تحقيق أنَّه ◙ تزوَّج الثَّيِّب ذات البنت، نبَّه عليه ابن المُنَيِّر.
          وحديث جابرٍ سلف في الصَّلاة [خ¦443] وعدَّة مواضع.
          وقوله: (وَلُـِعَابِهَا) هو بضمِّ اللَّام وكسرها، قَالَ عياضٌ: رواية مسلمٍ بالكسر لا غير، يريد الملاعبة، وَقَالَ المازَريُّ: رواية أبي ذرٍّ مِنْ طريق المُسْتَمْلي بالضَّمِّ، وكذا قَالَ صاحب «المطالع»: إنَّها رواية أبي الهيثم، وكأنَّه ذهب إلى اللُّعاب _وهو الرِّيق_ يريد رشفَه وامتصاصَه.
          وَقَالَ ابن بَطَّالٍ: هو مصدر لاعَبَ ملاعَبَةً ولِعابًا، كما تقول: قاتَلَ مُقاتَلةً وقِتالًا، وَقَالَ ابن التِّينِ: هو مِنَ اللَّعب، وقيل: مِنَ اللُّعاب، وعلى هذا الضَّمُّ والكسر.
          والعَذَارَى الأبكارُ.
          فصلٌ: وفيه جوازُ نكاح الثَّيِّبات للشُّبَّان إذا كان ذلك لمعنًى كالمعنى الَّذي قصده له جابرٌ مِنْ سبب أخواته، وذلك أن يكون للنَّاكح بناتٌ أو أخواتٌ غير بالغاتٍ يحتجن إلى قَيِّمٍ أو متعهِّدٍ، وفيه أنَّ نكاحَ الأبكار للشُّبَّان أولى لحضِّه عليه بقوله: (فَهَلَّا جَارِيَةً)، وفيه سؤال الإمام عن أحوال أصحابه في نكاحهم ومفاوضتهم في ذلك، وفيه أنَّ ملاعبةَ الأهل مطلوبةٌ لأنَّ ذلك يحبِّب الزَّوجين بعضهما لبعضٍ ويخفِّف المُؤْنة بينهما، ويرفع حياءَ المرأة عمَّا يحتاج إليه الرَّجل في مباعلتها، قَالَ تعالى في نساء الجنَّة: {عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة:37] والعَروبُ: المُتحبِّبَةُ إلى زوجها، ويُقال: الغَنِجَة العاشِقة له، ويُقال: الحسنةُ التَّبَعُّل.
          فصلٌ: قوله: (أَمْهِلُوا حتَّى تَدْخُلُوا لَيْلًا) يريد حتَّى يستقبلَكم خبرُ قدومكم إلى أهليكم فتستحدَّ المُغِيبة وتمتشط الشَّعثة، أي تصلحَ كلُّ امرأةٍ نفسَها لزوجها ما غفلت عنه لغيبته، وإنَّما معنى ذلك لئلَّا يجد منها ريحًا أو حالةً يكرهها، فيكون ذلك سببًا إلى بغضها، وهذا مِنْ حسن أدبه.
          فإن قلت: هذا مخالفٌ لقوله: ((لَا يَطرُقنَّ أحدُكم أهلَه ليلًا))؟ قلتُ: إنَّ هذا قاله لِمَنْ يقدم بغتةً مِنْ غير أن يَعلَم أهلُه به، وأمَّا هنا فتقدَّم خبرُ مجيء الجيش والعلم / بوصوله وقت كذا وكذا، فتستعدَّ الشَّعثة وتستحدَّ المُغِيبة.
          فصلٌ: قوله: (لَا تَعْرِضْنَ) قَالَ ابنُ التِّينِ: ضُبط بضمِّ الضَّاد، ولا أعلم له وجهًا لأنَّه إنَّما خاطب النِّساء أو واحدةً منهنَّ، فإن كان خطابه لجماعة النِّساء _وهو الأبين_ فصوابه تسكينها لأنَّه فعلٌ مستقبلٌ مبني على أصله مع نون جماعة النِّساء، ولو أُدخلت عليه النُّون المشدَّدة لكان: تعرضنان، لأنَّه تجتمع ثلاث نوناتٍ فيفرَّق بينهنَّ بألفٍ، ولو كانت النُّون الخفيفة لم يصحَّ لأنَّها لا تدخل في جماعة النِّساء ولا في الاثنين، وإن كان خطابه لأمِّ حبيبة خاصَّةً، فتكون الضَّاد مكسورةً والنُّون مشدَّدةً، فإن كان الفعل مؤكَّدًا بالنُّون الخفيفة كانت النُّون ساكنةً.