التوضيح لشرح الجامع البخاري

الترغيب في النكاح

          ░1▒ (بَابُ: التَّرغِيبُ فِي النِّكَاحِ، لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية [النساء:3]).
          5063- ذكر فيه حديثَ أنسٍ: (جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلعم...) الحديث، وفي آخره: (وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي).
          هذا الحديث أخرجه مسلمٌ أيضًا.
          وفيه أنَّ النِّكاح مِنْ سنن الإسلام، وفي التِّرْمِذيِّ أنَّه مِنْ سنن المرسلين، فلا رهبانيَّة في شريعتنا، وأنَّ مَنْ ترك النِّكاح رغبةً عن السُّنَّة فهو مذمومٌ مبتدعٌ، ومَنْ تركه مِنْ أجل أنَّه أرفق له وأعون على العبادة فلا ملامة عليه، كما قاله المُهَلَّب، إذ لم يرغب عن سنَّة نبيِّه وطريقته، وفيه الاقتداءُ بالأئمَّة في العبادة، والبحث عن أحوالهم وسيرهم في اللَّيل والنَّهار، وأنَّه لا يجب أن يتعدَّى طرقَ الأئمَّة الَّذين وصفهم اللهُ ليُقتدى بهم في الدِّين والعبادة، وأنَّه مَنْ أراد الزِّيادة على سَيرهم فهو مقلٌّ، وأن الأخذَ في العبادة بالتَّوسُّط والقصد أولى حتَّى لا يعجز عن شيءٍ منها ولا ينقطع دونها؛ لقوله ◙: ((خيرُ العملِ ما دامَ عليه صاحبُه وإن قلَّ))، وعند داودَ وأتباعه أنَّه واجبٌ في حقِّ الخائف، أي العقد دون الدُّخول مرَّةً في العمر، فإن عجز عن الطَّول نكح أمَةً للحديث الآتي: ((مَنِ استطاعَ منكم الباءة فليتزوَّج))، وآخر الحديث يرد عليه، وأنَّ المقصود به الوطء، فكيف يحصل المقصود بالعقد بالمرأة، ومَنْ قدر على غضِّ بصرِه وتحصين فرجِه فلا يجب عليه، وعند أكثر العلماء أنَّه لا يجب، وفي روايةٍ عن أحمد: يجب التَّزويج أو التَّسرِّي عند خوف العنت، وهو وجهٌ لنا، والآية خيَّرته بين النِّكاح والتَّسرِّي في قوله: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:3] والتَّسَرِّي لا يجب بالاتِّفاق، ثُمَّ الآية قصدت لبيان أعداد النِّساء فقط.
          وقوله: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور:32] هو أمرٌ للأولياء بالإنكاح لا للأزواج به، والحكمة في النِّكاح الاختبارُ والابتلاءُ وكثرة النَّسل والعفَّة وغير ذلك، وسيأتي أنَّ خير هذه الأمَّة أكثرها نساءً.
          5064- فصلٌ: وذكر البُخاريُّ أيضًا حديثَ عائشة ♦ في قولِه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا...} [النساء:3] إلى آخره، سلف في تفسير سورة النِّساء [خ¦4573].
          وفيه مِنَ الفقه: ما قاله مالكٌ مِنْ صداق المثل والرَّدِّ إليه فيما فسدَ صداقُه ووقعَ الغبنُ في مقداره، لقولها: (مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا) فوجب أن يكون الصَّداقُ معروفًا لكلِّ طبقةٍ مِنَ النَّاس على قدر أحوالهم، وقد قَالَ مالكٌ: وللنَّاسِ مناكح قد عرفت لهم وعرفوا لها، أي للنَّاس صدقاتٌ وأكفاءٌ، فإذا كان الله تعالى قد نهى عن نكاح اليتيمة حتَّى يبلغها صداقَ مثلها، فواجبٌ ألَّا يجوز نكاحٌ نقصُه بيِّنٌ، ولا بما لا خطر له ولا خطب، وعنده أنَّ أقلَّه هو الَّذي يؤدِّي إليه النَّظر على كتاب الله ويصحِّحه القياس مِنْ أنَّه لا يستباح عضو مسْلمةٍ بأقلَّ مَّما استباحه الشَّارع مِنْ عضو مسلمٍ بالسَّرقة، وذلك ربع الدِّينار، فما كان أقلَّ مِنْ ذلك فلا، وجوابه: السُّنَّة ثبتت بأقلَّ منه وهو وقوعه على نعلين، وجاء أنَّه ما يُراضى به الأهلون، ومنع ما ذكره مِنَ القياس.
          وفيه أنَّ تفسير القرآن لا يُؤخذ إلَّا عمَّن له علمٌ به كما كانت عائشة أولى النَّاس بعلمه مِنْ قبل الشَّارع لاختصاصها منه، وفيه أنَّ المرأةَ غير اليتيمة لها أن تنكح بأدنى مِنْ صداق مثلها لأنَّه تعالى إنَّما حرَّج ذلك في اليتامى، وأباح سائر النِّساء بما أجبن إليه مِنَ الصَّداق، وفيه أنَّ لوليِّ اليتيمة أن يُنكحها مِنْ نفسه إذا عدل في صداقها. /