شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الاعتكاف في العشر الأوسط من رمضان

          ░17▒ باب: الاعْتِكَافِ في الْعَشْرِ الأوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ(1): (كَانَ صلعم يَعْتَكِفُ في كُلِّ شَهرِ(2) رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ). [خ¦2044]
          يحتمل أن يكون(3) إنَّما ضاعف اعتكافه في العام الَّذي قُبض فيه من أجل أنَّه علم بانقضاء أجله، فأراد أن يستكثر من عمل الخير ليسنَّ لأمَّته الاجتهاد في العمل إذا بلغوا انقضاء(4) العمر ليلقوا الله على خير أحوالهم.
          وقد روى ابن المنذر حديثًا دلَّ على غير هذا المعنى قال(5): حدَّثنا محمَّد بن إسماعيل، حدَّثنا عفَّان حدَّثنا حمَّاد(6) حدَّثنا ثابت عن أبي رافع، عن أُبيِّ بن كعبٍ ((أنَّ النَّبيَّ صلعم كانَ يعتكفُ العشرَ الأواخرَ مِنْ رمضانَ، فسافرَ(7) عامًا فلم يَعتكِف، فلمَّا كانَ العامَ المقبلَ اعتكفَ عشرينَ ليلةً)).
          وقوله: (كَانَ رَسُولُ الله صلعم يَعتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ) فهذا يدلُّ على أنَّ الاعتكاف من السُّنن المؤكَّدة، فما(8) واظب عليه النَّبيُّ ◙ فينبغي للمؤمنين الاقتداء في ذلك بنبيِّهم، وذكر ابن المنذر عن ابن شهاب أنَّه كان يقول: عجبًا للمسلمين تركوا الاعتكاف، وإنَّ النَّبيَّ صلعم لم يتركه منذ دخل المدينة كلَّ عام في العشر الأواخر حتَّى قبضه الله.
          وروى ابن نافع عن مالك قال: ما زلت أفكِّر في ترك الصَّحابة الاعتكاف، وقد اعتكف النَّبيُّ صلعم حتَّى قبضه الله تعالى وهم أتبع النَّاس بآثاره(9)، حتَّى أخذ بنفسي أنَّه كالوصال المنهيِّ عنه، وأراهم إنَّما تركوه لشدَّته، وأنَّ ليله ونهاره سواء، قال مالك: ولم يبلغني أنَّ أحدًا من السَّلف اعتكف إلَّا أبو بكر بن عبد الرَّحمن واسمه المغيرة، وهو ابن أخي أبي جهل، وهو أحد فقهاء تابعي المدينة(10).
          قال(11) ابن المنذر: رُوِّينا عن عطاء الخرسانيِّ أنَّه قال: كان يُقال: /
          مثل المعتكف كمثل عبد ألقى نفسه بين يدي ربِّه ثمَّ قال: ربِّ لا أبرح حتَّى تغفر لي(12)، لا أبرح حتَّى ترحمني.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] قوله: ((شهر)) ليس في (م).
[3] زاد في (م): ((النبي ◙)).
[4] في (م): ((أقصى)).
[5] في (م): ((فقال)).
[6] قوله: ((حدثنا حماد)) ليس في (م).
[7] في (م) صورتها: ((فسام)).
[8] في (م): ((المؤكدة، وهذا مما)).
[9] في (م): ((لآثاره)).
[10] في (م): ((تابعين بالمدينة)).
[11] في (م): ((وقال)).
[12] زاد في (م): ((رب)).