شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من خرج من اعتكافه عند الصبح

          ░13▒ باب: مَنْ خَرَجَ مِنِ اعْتِكَافِهِ عِنْدَ الصُّبْح.
          فيه: أَبُو سَعِيدٍ: (اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبيِّ صلعم الْعَشْرَ الأوْسَطَ، فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ نَقَلْنَا مَتَاعَنَا، فَأَتَانَا رَسُولُ اللهِ فقَالَ: مَنْ(1) كَانَ اعْتَكَفَ فَلْيَرْجِعْ إلى مُعْتَكَفِهِ، فَإِنِّي رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ) الحديث. [خ¦2040]
          قال المُهَلَّب: ترجم البخاريُّ لما(2) سبق من ظاهر الحديث(3) في خروج المعتكف في(4) صبيحة عشرين، وبيَّن لك أنَّ الَّذي يظنُّه النَّاس من ظاهر الحديث من خروجه صبيحة عشرين أنَّه ليس بخروج من الاعتكاف، وإنَّما هو خروج بالمتاع الَّذي كانوا يبيتون فيه، ويأكلون ويشربون فيه، إذ لا حاجة لهم بشيء من ذلك في يوم عشرين الَّذي به ينقضي اعتكافهم للعشر الأوسط(5)، فإذا انقضى اليوم بمغيب الشَّمس خرجوا ليلة إحدى وعشرين إلى بيوتهم خفافًا من أثقالهم، وقد بين ذلك أبو سعيد بقوله: (فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةَ عِشرِينَ نَقَلنَا مَتَاعَنَا) ولم يقل: خرجنا من اعتكافنا، فأخبر الله تعالى نبيَّه أنَّ الَّذي تطلب أمامك، فقال: (مَنْ كَانَ اعتَكَفَ مَعِي فَليَعتَكِفِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ فَإِنِّي أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيلَةَ) الحديث.
          قال غيره: وأجمع العلماء أنَّه من اعتكف العشر الأوَّل أو الأوسط أنَّه يخرج إذا غابت الشَّمس من آخر يوم من اعتكافه، وفي إجماعهم على ذلك ما يوهن رواية من روى في ليلة إحدى وعشرين أنَّه(6) يخرج من صبحها أو في(7) صبيحتها، وأنَّ الصَّواب رواية من روى يخرج فيها من اعتكافه يعني بعد الغروب، وإجماعهم يقضي على ما اختلفوا فيه من الخروج لمن اعتكف العشر الأواخر.
          قال النَّخَعِيُّ: كانوا يستحبُّون للمعتكف أن يبيت ليلة الفطر حتَّى يكون غدوُّه منه إلى العيد، وهو قول أبي قِلابة وأبي مِجلَز، وبه قال مالك، وحكاه عن أهل الفضل، وهو قول أحمد بن حنبل، وذكر ابن وهبٍ عن اللَّيث عن عقيل، أن َّابن شهاب كان لا يرى بأسًا أن ينصرف المعتكف إلى أهله إذا غابت الشَّمس ليلة الفطر، وهو قول اللَّيث والأوزاعيِّ والشَّافعيِّ، وروى ابن القاسم عن مالك في «العُتْبِيَّة»(8): إن خرج من معتكفه ليلة الفطر أنَّه لا شيء عليه، وهذا هو الصَّحيح لأنَّ ليلة العيد ويوم العيد ليس بموضع اعتكاف(9)، والعشر يزول بزوال الشَّهر، والشَّهر ينقضي بغروب الشَّمس من آخر يوم من رمضان، فدلَّ هذا أنَّ قول مالك الأوَّل أنَّه استحبابٌ ليتَّصل له نسكٌ بنسكً، لا أنَّه واجبٌ.


[1] في (م): ((متاعنا فقال رسول الله صلعم: من)).
[2] في (م): ((بما)).
[3] في (م): ((الأحاديث)).
[4] قوله: ((في)) ليس في (م).
[5] في (م): ((الوسط)).
[6] قوله: ((أنه)) ليس في (م).
[7] قوله: ((في)) ليس في (م).
[8] زاد في (م): ((أنه)).
[9] زاد في (م): ((والعشر يزول بزوال الشمس)).