شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: هل يخرج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد؟

          ░8▒ باب: هَلْ يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِحَوَائِجِهِ إلى بَابِ الْمَسْجِدِ.
          فيه صَفِيَّةُ أَنَّهَا قالت(1): (جَاءَتِ النَّبيَ صلعم تَزُورُهُ في اعْتِكَافِهِ في الْمَسْجِدِ في الْعَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ، فَقَامَ النَّبيُّ صلعم مَعَهَا يَقْلِبُهَا(2)، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنْصَارِ، فَسَلَّمَا على النَّبيِّ(3) صلعم فَقَالَ لَهُمَا النَّبيُّ صلعم: على رِسْلِكُمَا إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا(4)، فَقَالَ صلعم: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُمَا شَيْئًا). [خ¦2035]
          وترجم له باب زيارة المرأة زوجها في اعتكافه، وذكر أنَّ بيت صفيَّة كان في دار أسامة خارج المسجد، فخرج النَّبيُّ صلعم معها.
          لا خلاف في جواز خروج المعتكف فيما لا غنى له(5) عنه، وإنَّما اختلفوا في المعتكف يدخل لحاجته تحت سقف، فأجاز ذلك الزُّهريُّ ومالك وأبو حنيفة والشَّافعيُّ، ورُوي عن ابن عمر والنَّخعيِّ وعطاء أنَّه لا يدخل تحت سقف، وهو قول إسحاق، وقال الثَّوريُّ والحسن بن حييٍّ: إن دخل بيتًا غير المسجد بطل اعتكافه، إلَّا أن يكون ممرُّه فيه.
          وكذلك اختلفوا في اشتغاله بالأمور المباحة، فقال مالك في «الموطَّأ»: لا يأتي المعتكف حاجة ولا يخرج لها، ولا يعين أحدًا عليها، ولا يشتغل بتجارة، ولا بأس أن يأمر أهله ببيع ماله وصلاح ضيعته.
          وقال أبو حنيفة(6): له أن يتحدَّث ويبيع ويشتري في المسجد، ويتشاغل بما لا يأثم(7) فيه، وليس عليه صمت.
          وقال مالك: لا يشتري إلَّا ما لا غنى له عنه من طعامه إذا لم يكن له من يكفيه. وكره مالك واللَّيث للمؤذِّن الصعود على المنارِ(8)، قالا(9): ولا يصعد على ظهر المسجد، وأجاز ذلك أبو حنيفة والشَّافعيُّ، قالا: ولو كانت المنارة خارج المسجد.
          وكذلك اختلفوا في حضور(10) مجالس العلم، فرخَّص في ذلك كثير من العلماء، رُوي ذلك عن عطاء والأوزاعيِّ واللَّيث والشَّافعيِّ.
          وقال مالك: لا يشتغل في مجالس العلم، وكره أن يكتب العلم. وقال ابن المنذر: طَلب العلم من أفضل الأعمال بعد أداء الفرائض لانتشار الجهل ونقصان العلم، وذلك إذا أراد اللهَ به طَالبُهُ، وعمل البرِّ لا ينافي الاعتكاف.
          وقال(11) غيره: مجالس العلم شاغلة له عن اعتكافه، ومالك أسعد بأصله لأنَّهم يوافقونه في أنَّ المعتكف لا يعود مريضًا ولا يشهد جنازة، وذلك من عمل البرِّ، واحتجَّ الطَّحاويُّ على جواز اشتغال المعتكف بالمباح من الأفعال بشغله ◙ في اعتكافه بمحادثة صفيَّة ومشيه معها إلى باب المسجد.
          قال المُهَلَّب: وفيه من الفقه أنَّه لا بأس بزيارة أهل المعتكف له في اعتكافه، وفيه أنَّه لا بأس أن يعمل في اعتكافه بعض العمل الَّذي ليس من الاعتكاف من تشييع قاصدٍ، وبرِّ زائرٍ، وإكرام مفتقرٍ، وما كان في معناه ممَّا لا ينقطع(12) به عن اعتكافه.


[1] قوله: ((قالت)) ليس في (م).
[2] في (م): ((يقلها)).
[3] في (م): ((رسول الله)).
[4] قوله: ((وكبر عليهما)) ليس في (م).
[5] في (ز) و(ص): ((به)) والمثبت من (م).
[6] زاد في (م): ((والشافعي)).
[7] في (م): ((مأثم)).
[8] في (م): ((المنارة)).
[9] في (ص): ((قالوا)).
[10] في (م): ((حضوره)).
[11] في (م): ((قال)).
[12] في (م): ((يقطع)).