شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من لم ير عليه صومًا إذا اعتكف

          ░15▒ باب: مَنْ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ صَوْمًا إِذَا اعْتَكَفَ.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ: أنَّ عُمَر قَالَ: (يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي نَذَرْتُ في الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً في الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلعم: أَوْفِ نَذْرَكَ. فَاعْتَكَفَ(1) لَيْلَةً). [خ¦2042]
          قال المؤلِّف: احتجَّ بهذا الحديث من أجاز الاعتكاف بغير صومٍ، ورُوي(2) ذلك عن عليٍّ وابن مسعود قالا: إن شاء صام المعتكف، وإن شاء لم يصم.
          وقالت طائفةٌ: الصَّوم لا يجب على المعتكف فرضًا لأنَّ الله لم يوجبه في كتابه ولا رسوله، فلا يجب على المعتكف الصَّوم إلَّا أن يوجبه نذرًا، فيجب الوفاء بالنَّذر، وممَّن قال بهذا القول: الحسن البصريُّ، وإليه ذهب الشَّافعيُّ وأبو ثورٍ والمزنيُّ، واحتجَّ المزنيُّ(3) بهذا الحديث وقال: إنَّ رسول الله صلعم أمره(4) أن يوفي بنذره، وليس اللَّيل موضع صيامٍ، وأيضًا فإنَّ رمضان لا يجوز أن ينوي به رمضان وغيره معًا.
          وذهبت طائفةٌ إلى أنَّ الاعتكاف من شرطه الصَّوم، رُوي ذلك عن ابن عمر وابن عبَّاسٍ وعائشة، وبه قال القاسم وعروة وابن شهاب، وهو قول مالك والثَّوريِّ وأبي حنيفة(5) والأوزاعيِّ(6)، واحتجَّ مالك في «الموطَّأ»(7) بقول القاسم ونافع قالا: لا اعتكاف إلَّا بصومٍ لقول الله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ....} إلى {الْمَسَاجِدِ}(8)[البقرة:187]فإنَّما ذكر الله الاعتكاف مع الصِّيام، قال مالك: وعلى ذلك الأمر عندنا، واحتجَّ أهل المقالة الأولى فقالوا: لو كان الاعتكاف لا يصحُّ إلَّا بصومٍ لم يكن لنهيه تعالى عن المباشرة لأجل(9) الاعتكاف معنى.
          قال ابن القصَّار: فالجواب أنَّ الله تعالى لمَّا ذكر الوطء في أوَّل الآية وعلَّق ذكره(10) بالصَّوم في النَّهار، عطف عليه حكم الاعتكاف، وذكر حظر الوطء معه لأنَّه قد يصحُّ في وقت لا يصح فيه الصَّوم وهو زمن اللَّيل(11). ولو وطئ ليلًا فسد اعتكافه، فهذه(12) فائدة ذكره الوطء(13) بعد تقدُّم ذكره، وأمَّا احتجاجهم بأن قال(14) لعمر في اللَّيلة: (أَوفِ بِنَذرِكَ)، فالمعنى أنَّه أراد ليلة بيومها، وقد يعبَّر باليوم عن اللَّيلة(15) كما قال تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً(16)}[الأعراف:142]فأراد تعالى اللَّيالي بأيَّامها، وقد روى عَمْرو بن دينار عن ابن عمر: ((أنَّ عمرَ قالَ للنَّبيِّ صلعم بِالجِعرَانةِ: إنِّي نذرتُ أَنْ أعتكفَ يَومًا وَلَيلةً)). فهذا أصل الحديث، فنقل بعض الرُّواة ذكر اللَّيلة وحدها، ويجوز للرَّاوي نقل بعض ما سمع.


[1] في (م): ((واعتكف)).
[2] في (م): ((روي)).
[3] قوله: ((المزني)) ليس في (م).
[4] قوله: ((إن رسول الله صلعم أمره)) زيادة من (م)، وليس في (ص).
[5] زاد في (م): ((وأصحابه)).
[6] زاد في (م): ((وسائر الفقهاء)).
[7] زاد في (م): ((لذلك)).
[8] في (م): (({وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ})).
[9] في (م): ((من أجل)).
[10] في (م): ((حظره)).
[11] في (م): ((وهو زمان)).
[12] في (م) و(ص): ((فهذا)).
[13] في (م): ((للوطء)).
[14] في (م): ((بأن النبي صلعم قال)).
[15] في (م): ((يعبر عن اليوم باللية)).
[16] زاد في (م): ((وأتممناها بعشر)).