شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الاعتكاف في شوال

          ░14▒ باب: الاعْتِكَافِ في شَوَّالٍ.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ(1): (كَانَ النَّبيُّ صلعم يَعْتَكِفُ في كُلِّ رَمَضَانٍ، فَإِذَا(2) صَلَّى الْغَدَاةَ دَخَلَ(3) مَكَانَهُ الَّذي اعْتَكَفَ فِيهِ، قَالَ(4): فَاسْتَأْذَنَتْهُ(5) عَائِشَةُ أَنْ تَعْتَكِفَ، فَأَذِنَ لَهَا فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً(6)، فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ قُبَّةً، فَسَمِعَتْ زَيْنَبُ فَضَرَبَتْ أخرى(7)، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ الله صلعم مِنَ الْغَدَاةِ رَآها، فَأَمَرَ بِنَزعِهَا، فَلَمْ يَعْتَكِفْ في رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ في آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ). [خ¦2041]
          قال المؤلِّف: الاعتكاف في شوَّال وسائر السَّنة مباح لمن أراده، وقال(8) المُهَلَّب: هذا الحديث الَّذي جاء بدخول المعتكف إلى اعتكافه إذا صلَّى الصُّبح يوهم أنَّه كان يدخل ذلك الحين للاعتكاف، وليس ذلك على ما يوهم ظاهره لأنَّه ◙ إنَّما كان يدخل الخباء الَّذي يضرب له لينظر كيف ترتيب مكان نومه ومصلَّاه وحوائجه، ثمَّ يخرج في حوائجه، فإذا صلَّى المغرب دخل معتكفه، ولا يمكن أن يدخل بنيَّة الاعتكاف ثمَّ ينصرف عنه لأنَّه لا يحلُّ قطع الاعتكاف البتَّة بعد أن يدخل فيه، ولا يجوز أيضًا أن يقطع اعتكاف غيره لا سيما وقد كان ◙ أذن لعائشة وحفصة في ذلك، ودليل آخر وهو أنَّه إن كان دخل للاعتكاف بعد صلاة الصُّبح فقد دخل في بعض النهار، ولا يجزئه ذلك من اعتكافه حتَّى يثبت أنَّه دخل الخباء قبل انصداع الفجر بنيَّة الاعتكاف، وذلك معدومٌ(9) بالرِّوايات(10).
          وقال(11) غيره: ويمكن أن يكون دخوله صبيحة عشرين متطوِّعًا بذلك، وكان اعتكافه كلُّه تطوُّعًا، ومن زاد في التَّطوُّع فهو أفضل، وإنَّما يقع التَّحرُّز(12) في النَّذر، ولو أنَّ امرأً نذر اعتكاف العشر الأواخر ما لزمه أن يدخل إلَّا ليلة إحدى وعشرين عند الغروب، ويخرج صبيحة ثلاثين عند الغروب.
          واتَّفق مالك وأبو حنيفة والشَّافعيُّ وأحمد أنَّ المعتكف إذا أوجب على نفسه اعتكاف شهر أنَّه لا يدخل إلَّا عند غروب الشَّمس، وهو قول النَّخَعِيِّ، وقال الأوزاعيُّ بظاهر الحديث: يُصلِّي الصُّبح ثمَّ يقوم إلى معتكفه، وما ذكرناه(13) في هذا الباب يَردُّ قوله.
          واختلفوا إذا نذره(14) يومًا أو أيَّامًا، فقال مالك: يدخل قبل غروب الشَّمس من ليلة ذلك اليوم، وقال الشَّافعيُّ: إذا أراد اعتكاف يوم دخل قبل طلوع الفجر، وخرج بعد غروب الشَّمس، خلاف قوله في الشَّهر.
          وقال أبو ثور: إذا أراد أن يعتكف عشرة أيَّام دخل في اعتكافه قبل طلوع الفجر، وإذا أراد اعتكاف عشر ليال دخل قبل غروب الشَّمس، وقال اللَّيث وزفر وأبو يوسف: يدخل قبل طلوع الفجر، واليومُ والشَّهرُ عندهم سواء، ذهب هؤلاء إلى أنَّ اللَّيل لا يدخل في الاعتكاف إلَّا أن يتقدَّمه اعتكاف النَّهار، وليس اللَّيل بموضع للاعتكاف فلا يصحُّ الابتداء به، وذهب الأوَّلون إلى أنَّ النَّهار تبع للَّيل على كلِّ حال، فلذلك بدأوا باللَّيل، وهذا هو الصَّحيح في هذه(15) المسألة لأنَّ المعروف عند جميع الأمَّة تقدُّم اللَّيل للنَّهار بكون الأهلَّة مواقيت للنَّاس في الشُّهور والعدد وغير ذلك، فأوَّل(16) الشَّهر ليلة، فكذلك كلُّ عدد من الأيَّام وإن قلَّ فإن أوَّله ليلة، ولا حجَّة لمن خالف هذا والله أعلم(17).


[1] قوله: ((قالت)) ليس في (م).
[2] في (م): ((وإذا)).
[3] في (م) صورتها: ((حلَّ)).
[4] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[5] في (م): ((فاستأذنت)).
[6] قوله: ((فضربت فيه قبة)) ليس في (م).
[7] في (م): ((حفصة فضرب قبة وزينب كذلك)).
[8] في (م): ((قال)).
[9] ليس واضحًا في (ز)، ولعله: ((معلوم)).
[10] في (م): ((في الروايات)).
[11] في (م): ((قال)).
[12] في (ز): ((التخيير)) والمثبت من (م).
[13] في (م): ((ذكرنا)).
[14] في (م): ((نذر)).
[15] قوله: ((هذه)) ليس في (م).
[16] في (م): ((وأول)).
[17] في (م): ((الموفق))، قوله: ((النبي صلعم صَبِيحَةَ عِشْرِينَ.....ولا حجَّة لمن خالف هذا والله أعلم)) الورقة ليست في المخطوط (ص).