شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب اعتكاف النساء

          ░6▒ باب: اعْتِكَافِ النِّسَاءِ.
          فيه: عَائِشَةُ قَالَتْ(1): (كَانَ النَّبيُّ صلعم يَعْتَكِفُ في(2) الْعَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ، ثُمَّ يَدْخُلُهُ، فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً، فَأَذِنَتْ لَهَا، فَضَرَبَتْ خِبَاءً فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ بِنتُ جَحْشٍ، ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبيُّ صلعم رَأَى الأخْبِيَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ(3) صلعم: آلْبِرَّ تَقُولُونَ(4) بِهِنَّ؟ فَتَرَكَ الاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ). [خ¦2033]
          اختلف العلماء في اعتكاف النِّساء، فقال مالك: تعتكف المرأة في مسجد الجماعة، ولا يعجبه أن تعتكف في مسجد بيتها.
          وقال الشَّافعيُّ: تعتكف المرأة والعبد والمسافر حيث شاءوا لأنَّه لا جمعة عليهم.
          وقال الكوفيُّون: لا تعتكف المرأة إلَّا في مسجد بيتها، ولا تعتكف في مسجد الجماعة، وذلك مكروهٌ، واحتجُّوا بأنَّ النَّبيَّ صلعم نقض اعتكافه إذ تبعَه نساؤه، وهذا إنكار منه عليهم(5)، قالوا: وقد قال(6) صلعم: ((صَلاةَ المرأَةِ فِي بَيتِها أَفضَلُ)) فإذا مُنعت المرأة من المكتوبة في المسجد(7) مع وجوبها فلأن تكون ممنوعة من اعتكاف هو نفل أولى، ولمَّا كان(8) صلاة الرَّجل في المسجد أفضل، كان اعتكافه فيه أفضل.
          قال ابن القصَّار: وحجَّة(9) مالك أنَّ النَّبيَّ صلعم لمَّا أراد الاعتكاف أذن لعائشة وحفصة في ذلك، وقد جاء هذا مبيَّنًا في باب من أراد أن يعتكف ثمَّ بدا له أن يخرج، ولو كان المسجد غير موضع اعتكافهن لما أباح ذلك لهنَّ معه، ولا يجوز أن يظنَّ به ◙ أنَّه نقض اعتكافه، ولكنَّه أخرَّه تطييبًا لقلوبهن لئلَّا يحصل معتكفًا وهنَّ غير معتكفات، وإنَّما فعل ذلك لأنَّه كره أن يكنَّ مع الرِّجال في مسجده ◙ لأنَّه موضع الاجتماع، والوفود ترد عليه فيه، وهذا كما يُستحبُّ لهنَّ أن يتعمَّدن(10) الطَّواف في الأوقاف الخالية، وكما يكره للشَّابَّات(11) منهنَّ الخروج للجمع والأعياد(12)، فإذا أردن أن(13) يصلين الجمع لم يجز إلَّا في الجامع مع الرِّجال.
          وقال ابن المنذر: في هذا الحديث إباحة اعتكاف النِّساء لأنَّه ◙ أذن لعائشة وحفصة في ذلك. وفيه: دليل أنَّ المرأة إذا أرادت اعتكافًا لم تعتكف حتَّى تستأذن زوجها، ويدلُّ على أنَّ الأفضل والأعلى للنِّساء لزوم منازلهنَّ، وترك الاعتكاف مع إباحته لهنَّ لأنَّ ردهنَّ ومنعهنَّ منه يدلُّ على أنَّ لزوم منازلهنَّ أفضل من الاعتكاف.


[1] قوله: ((قالت)) ليس في (م).
[2] قوله: ((في)) ليس في (م).
[3] زاد في (م): ((النبي)).
[4] في (م): ((ترون)).
[5] في (م): ((عليهن)).
[6] زاد في (م): ((النبي)).
[7] في (م): ((مسجد)).
[8] في (م): ((كانت)).
[9] في (م): ((حجة)).
[10] في (م): ((يتعمدا)).
[11] في (م) صورتها: ((للشبات)).
[12] في (م): ((والعياد)).
[13] قوله: ((أن)) ليس في (م).