شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يرد السلام في الصلاة

          ░15▒ بابُ: لا يُرَدُّ السَّلامُ في الصَّلاةِ.
          فيهِ: عَبْدُ اللهِ قَالَ(1): كُنْتُ أُسَلِّمُ عَلَى النَّبيِّ صلعم وَهُوَ(2) في الصَّلاة فَيَرُدُّ عَلَيَّ، فَلَمَّا رَجَعْنَا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، / وَقَالَ: (إِنَّ في الصَّلاة شُغْلًا(3)). [خ¦1216]
          وفيه(4) جابرٌ(5) بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صلعم في حَاجَةٍ(6) فانطَلَقْتُ ثمَّ رَجَعْتُ وقدْ قَضَيْتُها فأَتَيْتُ النَّبيَّ صلعم فسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، فَوَقَعَ في قَلْبِي مَا اللهُ بِهِ(7) أَعْلَمُ، فَقُلْتُ في نَفْسِي: لَعَلَّ رَسُولَ اللهِ صلعم وَجَدَ عَلَيَّ أَنْ أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ(8)، ثمَّ سَلَّمْتُ(9) فَرَدَّ عَلَيَّ، وَقَالَ: (إِنَّمَا(10) مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، وَكَانَ على رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا إلى غَيْرِ القِبْلَةِ).
          أجمعَ العلماءُ أنَّ المُصَلَّيَ لا يَرُدُّ السَّلامَ مُتَكَلِّمًا، واختلفوا هل يَرُدُّ(11) بالإشارةِ، فكرهته طائفةٌ، رُوِيَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ وابنِ عبَّاسٍ، وهو قول أبي حَنِيْفَةَ والشَّافعي وأحمد وإِسْحَاقَ وأبي ثَوْرٍ، واحتَجَّ الطَّحَاوي لأصحابه بقوله: (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنَّ في الصَّلاةِ شُغْلًا(12))، واختلف فيه قول مالكٍ، فمَرَّةً كرهه ومَرَّةً أجازه، وقال: ليَرُدَّ مُشِيرًا بيده وبرأسه(13). ورخَّصت فيه طائفةٌ، رُوِيَ ذلك عن سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ وقَتَادَةَ والحَسَنِ.
          وفيه قولٌ ثالثٌ: وهو(14) أنَّه يَرُدُّ عليه إذا فَرَغَ من الصَّلاة، رُوِيَ ذلك عن أبي ذرٍّ وأبي العَالِيَة وعَطَاء والنَّخَعِي والثَّوْرِي، واحتَّجَ الَّذين رخَّصوا في ذلك بما رواه ابنُ أبي شَيْبَةَ(15) عن وكيعٍ عن ابنِ عَوْنِ عن ابنِ سِيرِينَ قالَ: ((لمَّا قَدِمَ عَبْدُ اللهِ مِنَ الحَبَشَةِ، وَأَتَى النَّبيَّ صلعم وَهُوَ(16) يُصَلِّي، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فأَوْمَأَ وَأَشَاَر بيَدِهِ(17))).
          قال: حدَّثنا(18) ابنُ عُيْيَنَةَ عن زيدِ بنِ أَسْلَمَ عن ابنِ عُمَرَ قالَ: سألْتُ صُهَيْبًا: ((كَيْفَ كَانَ النَّبيُّ صلعم يَصْنَعُ حِيْنَ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي؟ قالَ(19): يُشِيْرُ بِيَدِهِ)).
          وعن(20) ابنِ عُمَرَ: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم أَتَى قُبَاءَ، فجَاءَ الأَنْصَارُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي(21)، فَأَشَارَ إِلَيهِمْ بِيَدِهِ))(22).
          وقال عَطَاءٌ: سَلَّمَ رَجُلٌ على ابنِ عبَّاسٍ وهو يُصَلِّي، فأَخَذَ بيدِهِ فصَافَحَهُ وغَمَزَهُ.
          وقد(23) ثبتت الإشارة عن النَّبيِّ(24) صلعم في الصَّلاة في آثارٍ كثيرةٍ، ذكرها البخاري في آخر كتاب الصَّلاة، فلا معنى لقولِ من أنكرَ رَدَّ السَّلامِ بالإشارةِ(25) [خ¦1199] [خ¦1200].
          وكذلك اختلفوا في السَّلام على المُصَلِّي، فكره ذلك قومٌ، ورُوِيَ(26) عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ قالَ: لوْ دَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ وهُمْ يُصَلُّونَ ما سَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ.
          وقال أبو مِجْلَزٍ: السَّلام على المُصَلِّي عَجْزٌ. وكرهه عَطَاء والشَّعْبي، ورواه(27) ابنُ وَهْبٍ عن مالكٍ، وبه(28) قال إِسْحَاقَ. ورخَّصت فيه طائفةٌ، رُوِيَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ، وهو قول مالكٍ في «المدوَّنة»، قال(29): لا يُكره السَّلام على المُصَلِّي في فريضةٍ ولا نافلةٍ، وفعله أحمدُ بنُ حَنْبَلٍ.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م) و(ص).
[2] قوله: ((وهو)) ليس في (ص).
[3] في (م): ((لشغلًا)).
[4] في (م): ((فيه)).
[5] زاد في (ي) و(ص): ((قال)).
[6] زاد في (ص): ((له)).
[7] قوله: ((به)) ليس في (م).
[8] قوله: ((فَقُلْتُ في نَفْسِي: لَعَلَّ رَسُولَ اللهِ وَجَدَ عَلَيَّ أَنِّ أَبْطَأْتُ عَلَيْه)) ليس في (م).
[9] زاد في (م): ((عليه)).
[10] في (ص): ((ما)).
[11] في (م): ((يرده)).
[12] في (م): ((لشغلًا)).
[13] في (م): ((أو برأسه)).
[14] في (ي): ((هو)).
[15] في (ي): ((نبيشة)).
[16] في (ص): ((وأتى للرسول وهو)).
[17] في (م) و(ص): ((برأسه)).
[18] في (م): ((وحدَّثنا)).
[19] زاد في (م): ((كان)).
[20] في (م): ((وروى)).
[21] قوله: ((قالَ: يُشِيْرُ بِيَدِهِ)). وعن ابنِ عُمَرَ: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم أَتَى قُبَاءَ، فجَاءَ الأَنْصَارُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي)) ليس في (ص).
[22] زاد في (م): ((وقال قد ثبتت الإشارة عن النَّبيِّ صلعم في آثار كثيرة ذكرها البخاري في آخر كتاب الصَّلاة فلا معنى لقول من أنكر ردَّ السَّلامِ بالإشارة)).
[23] في (م): ((وقال قد)).
[24] في (ص): ((الرسول)).
[25] في (م): ((وقد ثبتت الإشارة عن النَّبيِّ صلعم في آثار كثيرة ذكرها البخاري في آخر كتاب الصَّلاة فلا معنى لقول من أنكر ردَّ السَّلام بالإشارة)) أتى بعد قوله المتقدِّم: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم أتى قباء، فجاء الأنصار يسلِّمون عليه وهو يصلِّي، فأشار إليهم بيده)). وأتى بدلها في (م): ((قال مالك: لا يردُّ المؤذِّن السَّلام على من سلَّم عليه وكذلك المُلَبِّي حتَّى يفرغا، والفرق بين ذلك وبين المُصَلِّي أن المؤذِّن والمُلَبِّي يشتغلان شغلًا لا يمكنهما فيه الإصغاء إلى مسلم ولا غيره والمصلِّي قد يمكنه الإصغاء والفهم عن غيره)).
[26] في (م): ((روي)).
[27] في (م): ((وهي رواية)).
[28] في (م): ((وإليه ذهب)).
[29] في المطبوع و(ص): ((وقال)).