شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يجوز من البصاق والنفخ في الصلاة

          ░12▒ بابُ: مَا يَجُوزُ مِنَ النَّفْخِ في الصَّلاةِ والبُزَاقِ(1).
          وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: نَفَخَ النَّبيُّ صلعم في سُجُودِهِ في كُسُوفِ الشَّمْسِ(2).
          وفيهِ(3): ابنُ عُمَرَ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم رَأَى نُخَامَةً في قِبْلَةِ المَسْجِدِ، فَتَغَيَّظَ على أَهْلِ المَسْجِدِ وَقَالَ: إِنَّ اللهَ قِبَلَ أَحَدِكُمْ، فَإِذَا(4) كَانَ في صَلاتِهِ فَلا يَبْزُقَنَّ، أَوْ قَالَ: لا يَتَنَخَّعَنَّ(5)، ثمَّ نَزَلَ، فَحَتَّهَا(6) بِيَدِهِ). [خ¦1213]
          وفيهِ: أَنَسٌ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِذَا كَانَ أَحَدَكُمْ في الصَّلاةِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلا يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلا عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ اليُسْرَى). [خ¦1214]
          اختلف العلماء في النَّفْخِ في الصَّلاة، فكرهه(7) طائفةٌ ولم توجب على مَنْ نَفَخَ إعادة، رُوِيَ ذلك عن ابنِ مَسْعُودٍ وابنِ عبَّاسٍ والنَّخَعِيِّ، وروايةٌ عن مالكٍ، قال عليٌّ عن مالكٍ(8): أكره النَّفْخَ في الصَّلاة ولا يقطعها كما يقطعها الكلام(9). وهو قول أبي يُوسُفَ(10) وأَشْهَبَ وأحمدَ وإِسْحَاقَ.
          وقالت طائفةٌ: هو بمنزلة الكلام يقطع الصَّلاة، رُوِيَ(11) عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وهو قول مالكٍ في «المدوَّنة». وفيه قولٌ ثالثٌ(12): أنَّ النَّفْخَ إن كان يُسْمَعُ فهو بمنزلة الكلام ويقطع الصَّلاة، هذا قول أبي حَنِيْفَةَ والثَّوْريِّ ومُحَمَّدٍ(13).
          والقول الأوَّل أَولَى(14)، لما ذكره البخاريُّ عن عبدِ اللهِ بنِ عَمْرٍو: ((أنَّ النَّبيَّ(15) صلعم نَفَخَ في سُجُودِهِ))، وذكر(16) ابنُ أبي شَيْبَةَ عن أبي(17) صالحٍ أنَّ قريبًا لأمِّ سَلَمَةَ صَلَّى فنَفَخَ، فقَالَتْ(18) أمُّ سَلَمَةَ: لا تَفْعَلْ، فإنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قال لغُلَامٍ لنا(19) أسود: ((يا(20) رَبَاحُ، تَرِّبْ وَجْهَكَ)).
          وقال ابنُ بُرَيدٍ(21): كان يُقال: من الجَفَاء(22) أن ينفخ الرَّجُل في صلاته(23)، فدلَّ هذا أنَّ من كرهه إنَّما جعله من الجَفَاء وسوء(24) الأدب، لا أنَّه بمنزلة الكلام عنده،(25) ألا ترى أنَّ أمَّ سَلَمَةٍ لم تأمر قريبها حين نفخ في الصَّلاة(26) بإعادتها، ولو كان بمنزلة الكلام عندها ما تركت بيان ذلك، ولا فعله النَّبيُّ(27) صلعم.
          ويدلُّ على صِحَّة هذا اتِّفاقهم على جواز التَّنَخِّم والبُصَاق(28) في الصَّلاة، وليس في النَّفْخِ من النُّطْقِ بالفاء والهمزة أكثر مما في البُصَاق(29) من النُّطْقِ(30) بالتَّاء والفاء(31) اللَّتين يُفهمان من رمي البُّصَاق، ولما اتَّفقوا على جواز البُصَاق(32) في الصَّلاة جاز النَّفْخُ فيها، إذ ليس بينهما فرقٌ(33) في أن كلَّ واحدٍ منهما بحروف، ولذلك ذكر البخاري حديث البُصَاق(34) في هذا الباب ليستدلَّ به على جواز النَّفْخِ؛ لأنَّه لم يُسْنِدْ حديث عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ فإنَّ(35) النَّبيَّ صلعم نَفَخَ في سُجُودِهِ، واعتمدَ على الاستدلالِ مِن حديثِ النُّخَامَةِ والبُّصَاقِ وهو استدلالٌ حَسَنٌ، وأمَّا البُّصَاقُ(36) اليسيرُ فإنَّه يُحتملُ في الصَّلاةِ إذا كان على اليسارِ أو تحتَ القدمِ، كما في(37) الحديث، غيرَ أنَّه ينبغي إرساله بغير نطق بحرفٍ مثل التَّاء والفاء اللَّتين يُفهمان من رمي البُّصَاق(38)، لأنَّ ذلك من النُّطْقِ، وهو خلاف الخُشُوع فيها(39).


[1] في (م) و(ي): ((والبصاق)).
[2] قوله: ((الشَّمس)) ليس في (م).
[3] في (م): ((فيه)).
[4] في (م): ((إذا)).
[5] في المطبوع و(ص): ((يتنخمن)). قوله: ((أو قال لا يتنخعن)) ليس في (م).
[6] في (ص): ((يحتها)).
[7] في (م) و(ص): ((فكرهته)).
[8] في (م): ((والنَّخعي ورواية علي عن مالك قال مالك)).
[9] زاد في (م): ((وذكر الأبهري عن ابن القاسم مثله)).
[10] في (ص): ((حنيفة)).
[11] زاد في (م): ((ذلك)).
[12] زاد في (م): ((وهو)).
[13] في (م): ((ومحمَّد والثَّوري)).
[14] قوله: ((أولى)) ليس في (ص).
[15] في (ص): ((الرسول)).
[16] في (م): ((ذكر)).
[17] في (م) و(ص): ((شيبة لأبي)).
[18] زاد في (م): ((له)).
[19] في (م): ((له)).
[20] قوله: ((يا)) ليس في (ص).
[21] في (م) و(ي) و المطبوع و(ص): ((بريدة)).
[22] في (م) صورتها: ((الحياء)) في الموضعين.
[23] في (م): ((الصَّلاة)).
[24] في (م): ((وهو)).
[25] قوله: ((عنده)) ليس في (م).
[26] في المطبوع و(ص): ((صلاته)).
[27] في (ص): ((رسول الله)).
[28] في المطبوع و(ص): ((والبزاق)).
[29] في المطبوع و(ص): ((البزاق)).
[30] قوله: ((بالتاء والفاء)) ليس في (ص).
[31] في (م): ((بالفاء والتَّاء)).
[32] في المطبوع: ((البزاق)) في المواضع كلها.
[33] في (م): ((إذ لا فرق)).
[34] في (ص): ((البزاق)).
[35] في (م): ((بن عُمَر فإن)).
[36] في (ص): ((البزاق)).
[37] في المطبوع و(ص): ((كما جاء في)).
[38] في (ص): ((البزاق)).
[39] قوله: ((وأمَّا البُصاق اليسير فإنَّه يحتمل في الصَّلاة إذا كان على اليسار... يفهمان من رمي البُّصاق، لأنَّ ذلك من النُّطق، وهو خلاف الخُشُوع فيها)) ليس في (م). وبدله قوله: ((غير أنَّ الفقهاء يستحبُّون إرسال البُصاق والنُّخامة في الصَّلاة بغير شدَّة ولا صوت)).