شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من سمى قومًا أو سلم في الصلاة على غيره مواجهةً

          ░4▒ بابُ: مَنْ سَمَّى قَوْمًا أَوْ سَلَّمَ في الصَّلاة على غَيْرِهِ وَهُوَ لا يَعْلَمُ(1).
          فيهِ: ابنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا نَقُولُ التَّحِيَّةُ في الصَّلاة، ونُسَمِّي، وَيُسَلِّمُ بَعْضُنَا على بَعْضٍ، فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم فَقَالَ: (قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، إِذَا قَلْتُمْ ذَلِكَ، فَقَدْ سَلَّمْتُمْ عَلَى كلِّ عَبْدٍ لِلَّهِ صَالِحٍ(2) في السَّمَاءِ والأَرْضِ). [خ¦1202]
          معنى هذا الباب: أنَّه يجوز الكلام في الصَّلاة إذا كان من شأنها، وهو مثل قوله صلعم في الصَّلاة: ((اللَّهُمَّ أَنْجِ المُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ المُؤْمِنِينَ))، فهو من الكلام الَّذي يُرْجَى نفعه، وتَعُمُّ بركته، وقوله: ((مَنْ سَمَّى قوْمًا)) يُرِيدُ ما كانوا يفعلونه أوَّلًا مِن مواجهة بعضهم بعضًا ومخاطبتهم قبل أن يأمرهم النَّبيُّ صلعم بهذا التَّشهُّد، فأراد البخاريُّ يعرِّفك أنَّه لمَّا لم يأمرهم(3) النَّبيُّ صلعم بإعادة تلك الصَّلاة الَّتي سَمَّى فيها بعضهم بعضًا، عُلِمَ أنَّه مَنْ فَعَلَ هذا جاهلًا أنَّه لا تفسد صلاته، وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: إنَّه(4) مَنْ تكلَّم في صلاته ساهيًا لم تفسد صلاته، وقوله: (أوْ سَلَّمَ(5) في الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِهِ وهُوَ لا يَعْلَمُ)، يعني لا يعلم المُسَلَّم عليه، ولا يسمع السَّلام عليه.
          قال المُهَلَّبُ: وأمره صلعم بمخاطبته في التَّحيَّات لقوله: (السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبيُّ)، وهو أيضًا خطاب في الصَّلاة لغير المُصَلِّي، لكن لما كان خطاب النَّبيِّ صلعم حيًّا وميِّتًا من باب الخُشُوع، ومن أسباب الصَّلاة المرجو بركتها لم يكن بخطاب(6) المُصَلِّي لغيره، وفي هذا دليلٌ أنَّ ما كان من الكلام عامدًا في أسباب الصَّلاة أنَّه جائزٌ سائغٌ، بخلاف قول أبي حَنِيْفَةَ والشَّافعيِّ.
          وإنَّما أنكر ◙ تسميتهم للنَّاس بأسمائهم، لأنَّ ذلك يطول على المُصَلِّي ويُخْرِجُهُ مما هو فيه من مناجاة رَبِّه إلى مناجاة النَّاس شخصًا شخصًا، فجمع لهم هذا المعنى في قوله صلعم: (السَّلامُ عَلَيْنَا وعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ)، فهو وإن خاطب نفسَه فقد خاطب أيضًا غيره معه، لكنَّه مما يُرْجَى بركته فيها، فكأنَّه منها.


[1] في (ي): ((وهو يعلم)).
[2] في (ي): ((عبد صالح لله)).
[3] في (ي): ((أنَّه لم يأمرهم)).
[4] في المطبوع: ((إنَّ)).
[5] في المطبوع و(ص): ((أو يُسَلِّم)).
[6] في (ي): ((كخطاب)).