شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: التصفيق للنساء

          ░5▒ بابُ: التَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ.
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَهْلُ بنُ سَعْدٍ، أنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ: (التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ، وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ). [خ¦1203]
          وترجم البخاري لحديث سَهْلٍ: بَابُ مَنْ صَفَّقَ جَاهِلًا مِنَ الرِّجَالِ في صَلَاتِهِ لمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ.
          أجمع العلماء أنَّ سُنَّة الرِّجَال إذا نابهم شيءٌ في الصَّلاة التَّسبيح، واختلفوا في حُكْمِ النِّساء، فذهبت طائفةٌ إلى أنَّ إذن المرأة في الصَّلاة التَّصفيق، وإذن الرَّجُل التَّسبيح على ظاهر الحديث، ورُوِيَ عَنِ النَّخَعِيِّ، وهو قول الأوزاعيِّ والشَّافعيِّ وأحمدَ وإِسْحَاقَ وأبي ثَوْرٍ.
          وقالت طائفةٌ: التَّسبيح للرِّجَال والنِّساء جميعًا، هذا / قول مالكٍ، وتأوَّل أصحابه قوله صلعم: (إِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ) أنَّه مِن شأنهنَّ في غير الصَّلاة، فهو على وجه الذَّمِّ لذلك فلا تفعله في الصَّلاة امرأةٌ ولا رَجُلٌ.
          وذكر ابنُ شَعْبَانَ في كتابه: اختلف قول مالكٍ في ذلك، فقال مَرَّةً: تُسَبِّحُ النِّساء ولا يُصَفِّقْنَّ؛ لأنَّ الحديثَ جاء ((مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ في صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ))، وقال مَرَّةً أُخرى: التَّصفيح للنَّساء، والتَّسبيح للرِّجَال، كما جاء في الحديث، قال: والأوَّل أحبُّ إلينا.
          واحتَجَّ أهل المقالة الأولى أنَّ التَّسبيح إنَّما كره للنِّساء، لأنَّ صوت المرأة فتنةٌ، ولهذا مُنِعَتْ من الأذان والإقامة والجهر بالقراءة في الصَّلاة، واحتَجُّوا بما رواه حمَّادُ بنُ زيدٍ عن أبي حازمٍ عن سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، في هذا الحديثَ أنَّ النَّبيَّ صلعم قالَ: ((مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ في صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْتُصَفِّحِ النِّسَاءُ)). قالوا: وهذا نصٌّ لا تأويلَ لأَحَدٍ معه.
          وقوله في أوَّل الباب: ((مَنْ صَفَّقَ جَاهِلًا مِنَ الرِّجَالِ لمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ))، إنَّما تأوَّل ذلك، لأنَّ النَّبيَّ(1) صلعم لم يأمر الَّذين صفَّقوا بإعادة الصَّلاة(2)، ففيه جواز العمل اليسير في الصَّلاة.
          والتَّصفيقُ: الاضطراب وضرب اليد على اليد، وفي كتاب «الأفعال»: صَفَقَ رأسه(3) صَفْقًا: ضربه باليد، وكذلك صَفَقَ عُنُقَهُ. وقال الأَصْمَعيُّ: صَفَقْتَ يده بالبيعة: إذا ضَرَبْتَ يدك على يده، وصَفَقَ الطَّائر بجناحيه: ضرب بهما.


[1] في (ص): ((الرسول)).
[2] في المطبوع و(ص): ((بالإعادة)).
[3] في (ص): ((رأسًا)).