شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا انفلتت الدابة في الصلاة

          ░11▒ بابُ: إِذَا انْفَلَتَتِ الدَّابَّةُ في الصَّلَاةِ.
          قَالَ(1) قَتَادَةُ: إِنْ(2) أُخِذَ ثَوْبُهُ يَتْبَعُ السَّارِقَ وَيَدَعُ الصَّلاةَ.
          فيهِ: الأَزْرَقُ بنُ قَيْسٍ قَالَ: كُنَّا بِالأهْوَازِ نُقَاتِلُ الحَرُورِيَّةَ(3)، فَبَيْنَا أَنَا عَلَى حَرْفِ نَهَرٍ إِذ جَاءَ رَجُلٌ يُصَلِّي فإِذَا لِجَامُ(4) دَابَّتِهِ بِيَدِهِ، فَجَعَلَتِ الدَّابَّةُ تُنَازِعُهُ وَجَعَلَ يَتْبَعُهَا، قَالَ شُعْبَةُ: هُوَ أَبُو بَرْزَةَ الأسْلَمِيُّ، فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنَ الخَوَارِجِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ افْعَلْ بِهَذَا الشَّيْخِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ الشَّيْخُ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ قَوْلَكُمْ، وَإِنِّي غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم سِتَّ غَزَوَاتٍ، أَوْ سَبْعَ غَزَوَاتٍ(5)، أَوْ ثَمَانِ(6)، وَشَهِدْتُ تَيْسِيرَهُ، وَإِنِّي إِنْ كُنْتُ(7) أَرْجِعُ مَعَ دَابَّتِي، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَدَعَهَا(8) تَرْجِعُ إلى مَأْلَفِهَا، فَيَشُقُّ عَلَيَّ. [خ¦1211]
          وفيهِ: عَائِشَةُ: (خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم، فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً، ثمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ(9)، ثمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ: لَقَدْ رَأَيْتُ في مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُهُ، حتَّى لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ(10) أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي(11) تَأَخَّرْتُ(12)، وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بنَ لُحَيٍّ، وَهُوَ الَّذي سَيَّبَ السَّوَائِبَ). [خ¦1212]
          لا خلاف بين الفقهاء بأنَّه(13) من أفلتت(14) دابَّته وهو في الصَّلاة بأنَّه(15) يقطع الصَّلاة ويتبعها، وقال مالكٌ في «المختصر»: مَن خشي على دابته الهلاك، أو على صبيٍّ رآه في الموت فليقطع صلاته.
          وروى عنه ابنُ القَاسِمِ في مسافرٍ انفلتت دابَّته وخاف عليها، أو على صبيٍّ، أو أعمى أن يقع في بئرٍ أو نارٍ، أو ذكر متاعًا يخاف أن يتلف، فذلك عذرٌ يُبِيْحُ له أن يستخلِفَ ولا يُفسِدُ على مَن خلفه(16) شيئًا. وقول أبي بَرْزَةَ للذي أنكر عليه قطع الصَّلاة واتِّباعَ دابَّته: (شَهِدتُّ تَيْسِيرَ النَّبيِّ صلعم) يعني تيسيره على أمَّته في الصَّلاة وغيرها، ولا يجوز أن يفعل هذا أبو بَرْزَةَ من رأيه دون أن يشاهده(17) مِن النَّبيِّ صلعم.
          قوله(18): (وَإِنِّي كُنْتُ أَنْ(19) أَرْجِعَ مَعَ دَابَّتِي أَحَبُّ إِليِّ) إلى آخر قوله، أخبر أنَّ قطعه للصَّلاة واتِّباعه لدابَّته أفضل من تركها، وإن رجعت(20) إلى مكان علفها وموضعها(21) في داره، فكيف إن خشي عليها(22) أنَّها لا ترجع إلى داره؟! فهذا(23) أشدُّ لقطعه للصَّلاة واتِّباعه لها.
          ففي هذا حُجَّة للفقهاء في أنَّ كلَّ ما خُشِيَ تلفه من متاعٍ أو مالٍ أو غير ذلك من جميع ما بالنَّاس إليه الحاجة(24) أنَّه يجوز قطع الصَّلاة وطلبه، وذلك في معنى قطع الصَّلاة لهَرَبِ الدَّابَّة.
          وأمَّا قوله ◙ في حديث عائشة: (لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ)، فهذا المشي عمل في الصَّلاة، وكذلك (حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ)(25) عمل أيضًا(26)، إلَّا أنَّه ليس فيه(27) قطعٌ للصَّلاة، ولا(28) استدبار للقِبْلَة(29)، ولا مشيٌ كثيرٌ مثل ما يمشي من انفَلَتَتْ(30) دابَّته وبَعُدَتْ عنه، فدلَّ هذا الحديث إن(31) مشى إلى دابَّته خُطًى يسيرة نحو تقدُّمه ◙ إلى القطف، وكانت دابَّته قريبًا منه في قبلته أنَّه لا يقطع صلاته.
          وقد سُئِلَ الحَسَنُ البصريُّ(32)، / عن رَجُلٍ صَلَّى فأشفق(33) أن تذهب دابَّته قال: ينصرف، قيل له: أَفَيُتِمُّ على ما مضى؟ قال: إذا وَلَّى ظهره القِبْلَة استأنف الصَّلاة، وسُئِلَ قَتَادَةُ عن رَجُلٍ دَخَلَتِ الشَّاةُ في بَيْتِهِ، وهو يُصَلِّي فَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ ليأخذَ(34) القَصَبَةَ يَضْرِبُها(35)؟ قالَ: لا بأسَ بهِ(36).


[1] في (م) و(ص): ((وقال)).
[2] في (ص): ((وإن)).
[3] في (م): ((كنا نقاتل الحرورية بالأهواز)).
[4] في (م): ((إذ رجل يُصَلِّي ولجام)).
[5] قوله: ((غزوات)) ليس في (م).
[6] قوله: ((أو ثمان)) ليس في (ص).
[7] زاد في (م): ((أن)).
[8] زاد في (ي): ((ثم)).
[9] قوله: ((ثم ركع فأطال)) ليس في (م).
[10] قوله: ((أريد)) ليس في (م).
[11] قوله: ((جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي)) ليس في (ص).
[12] قوله: ((حين رأيتموني تأخَّرت)) ليس في (م).
[13] في (م): ((أنَّ))، وفي المطبوع و(ص): ((أنَّه)).
[14] في (ص): ((انفلتت)).
[15] في (م) و(ص): ((أنَّه)).
[16] في (ص): ((خالفه)).
[17] في (ص): ((يشاهد)).
[18] في (م) و(ص): ((وقوله)).
[19] في المطبوع: ((وإنِّي إن كنت))، وفي (م): ((وإنِّي كنت)).
[20] زاد في (م): ((إلى عالفها يعني)).
[21] في (م): ((ووقوفها)).
[22] قوله: ((عليها)) ليس في (م).
[23] في (م): ((فهو)).
[24] في المطبوع و(ص): ((الحاجة إليه)).
[25] قوله: ((حين رأيتموني تأخرت)) ليس في (م). وبدله قوله: ((ما هم به ◙ من أخذ القطف)).
[26] زاد في (م): ((لو علمه لأنَّه لا يهمُّ إلَّا بجائز من الفعل)).
[27] في (م): ((في ذلك)).
[28] في (م): ((وليس فيه)).
[29] في (م): ((القبلة)).
[30] في (م): ((افتتلت)).
[31] في (م): ((أن من)).
[32] قوله: ((البصري)) ليس في (م).
[33] في المطبوع و(ص): ((وأشفق)).
[34] في (م): ((ويأخذ)).
[35] في (م): ((ويضربها)).
[36] في (م) و(ي): ((بذلك)).