شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشروط في الوقف

          ░19▒ باب: الشُّرُوطِ في الْوَقْفِ
          فيه: ابْنُ عُمَرَ: (أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبيَّ صلعم يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ(1) أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ(2) فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟ قَالَ: إِنْ شَئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا(3)، قَالَ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ، أَنَّهُ لا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا في الْفُقَرَاءِ وفي الْقُرْبَى وفي الرِّقَابِ وفي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَالضَّيْفِ، لا جُنَاحَ على مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ) قَالَ: فَحَدَّثْتُ(4) بِهِ ابْنَ سِيرِينَ، فَقَالَ: غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا. [خ¦2737]
          للواقف أن يشترط في وقفه ما شاء إذا أخرجه من يده إلى متولِّي النظر فيه، فيجعله في صنفٍ واحدٍ أو أصنافٍ مختلفةٍ، إن شاء في الأغنياء أو في الفقراء، وإن(5) شاء في الأقارب أو الأباعد، وإن شاء في إناث بيته دون الذكور، أو في(6) الذكور دون الإناث، وإن كان يستحبُّ له التسوية بين بنيه لقوله: (فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ فِي الفُقَرَاءِ وَفِي القُربَى) وسائر من ذُكر، فدلَّ أنَّ ذلك إلى اختيار المحبس يضعه حيث شرط.
          قال المُهَلَّب: وإنَّما تصدَّق عمر بأنفس ماله؛ لقوله ╡: {لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عِمْرَان:92]فشاور النبيَّ صلعم في ذلك فأشار عليه بتحبيس أصله، والصدقة بثمرته. وهذا الحديث أصلٌ في تحبيس رقاب الأرض.
          قال الطبريُّ: وكل ما كان نظير الأرض التي حبَّسها عمر ممَّا يحدُّ بوصفٍ ويوصف بصفةٍ، وله منافع تدرك بالعمارة والإصلاح ففي حكمها في جواز تحبيسه، وذلك كالدابَّة تحبس في سبيل الله تعالى إذا كان ممكنًا صفتها بصفةٍ تبان بها(7) من سائر أملاك المتصدِّق، ومنفعةٌ تدرك منها لا يبطلها الانتفاع بها كالركوب، والعبد يحبس كذلك وسائر الحيوان والمواشي والرقيق والسلاح يحبس في سبيل الله وأجزاء القرآن وما أشبه ذلك، وبمثل ذلك عملت الأئمَّة الراشدون والسلف الصالحون، وسأذكر من خالف ذلك وأردُّ قوله بأقوال العلماء في باب الوقف وكيف يكتب بعد هذا إن شاء الله تعالى. [خ¦2772]


[1] في (ص): ((قط مالا)).
[2] في (ص): ((منها)).
[3] في (ص): ((وتصدق بثمرتها)).
[4] في (ص): ((فحدث)).
[5] في (ص): ((أو إن)).
[6] قوله: ((في)) ليس في (ص).
[7] في (ص): ((بيان لها)).