شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الشروط في البيع

          ░3▒ باب: الشُّرُوطِ في الْبُيُوعِ
          فيه: عَائِشَةُ: أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا في كِتَابَتِهَا وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا. قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إلى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ لَيَكُونَ وَلاؤُكِ لي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَهْلِهَا فَأَبَوْا وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ لَنَا وَلاؤُكِ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلعم، فَقَالَ لَهَا: (ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي، فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ). [خ¦2717]
          وقد تقدَّم في البيوع. [خ¦2168] ونذكر هاهنا منه طرفًا. روي(1) عن عبد الصمد بن عبد الوارث قال: وجدت في كتاب جدِّي قال: أتيت مكَّة فأصبت بها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شُبْرُمَة، فأتيت أبا حنيفة فقلت له: ما تقول في رجلٍ باع بيعًا واشترط شرطًا؟ قال: البيع باطلٌ والشرط باطلٌ. فأتيت ابن أبي ليلى فسألته فقال: إنَّ البيع جائزٌ والشرط باطلٌ. فأتيت ابن شُبْرُمَة فسألته، فقال: البيع جائزٌ والشرط جائزٌ. فقلت: سبحان الله! ثلاثةٌ من فقهاء الكوفة اختلفوا في مسألةٍ. فأتيت أبا حنيفة فأخبرته بقولهما فقال: لا أدري ما قالا، حدَّثني عَمْرو بن شعيبٍ عن أبيه، عن جدِّه ((أنَّ رسول الله نهى عن بيعٍ وشرطٍ))، فأتيت ابن أبي ليلى فأخبرته بقولهما فقال: لا أدري ما قالا، حدَّثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنَّ النبيَّ صلعم قال: ((اشتري بريرة واشترطي لهم الولاء، فإنَّ الولاء لمن أعتق))، فأجاز البيع وأبطل الشرط. فأتيت ابن شبرمة فأخبرته بقولهما فقال: لا أدري ما قالا، حدَّثني مِسْعر بن كِدامٍ عن محارب بن دثارٍ، عن جابر بن عبد الله قال: ((اشترى منِّي النبيُّ صلعم ناقةً فاشترطت حملاني)) فأجاز البيع والشرط.
          قال المُهَلَّب: هذه الثلاث فتاوى جائزةٌ كلُّها في مواضعها، فلا يتعدَّى كلُّ واحدٍ منها ما وضع له، ولها أحكامٌ مختلفةٌ على حسب تأويل الأحاديث الثلاثة، وهؤلاء الفقهاء حملوا تأويلها على العموم وظنُّوا أنَّ كلَّ واحدٍ من هذه الأحاديث عاملٌ في السنَّة كلِّها، وليس كذلك، ولكلِّ واحدٍ موضعٌ لا يتعدَّاه، وقد تقدَّم بيان وجوهها ومذاهب العلماء فيها(2) في كتاب البيوع فأغنى عن تكريره.


[1] في (ص): ((وروي)).
[2] قوله: ((بيان وجوهها ومذاهب العلماء فيها)) ليس في (ص). وكذا قوله: ((فأغنى عن تكريره)) ليس فيها.