شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا اشترط في المزارعة: إذا شئت أخرجتك

          ░14▒ باب: من اشْتَرَطَ في الْمُزَارَعَةِ إِذَا شِئْتُ أَخْرَجْتُكَ
          فيه: ابْنُ عُمَرَ: (لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللهِ(1) بْنَ عُمَرَ قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ على أَمْوَالِهِمْ وَقَالَ: نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمُ اللهُ، وَإِنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إلى مَالِهِ هُنَاكَ فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنَ اللَّيْلِ، فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاهُ، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرَهُمْ، هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهْمَتُنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلاءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ على ذَلِكَ أَتَاهُ ابن أَبِي الْحُقَيْقِ، وقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ وَعَامَلَنَا على الأمْوَالِ وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا؟! قَالَ فَقَامَ(2) عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صلعم: كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟ فقَالَ(3): كَانَ ذَلِكَ هُزَيْلَةً مِنْ أبي الْقَاسِمِ. قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ، وَأَجْلاهُمْ عُمَرُ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الثَّمَرِ مَالًا وَإِبِلًا وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ). [خ¦2730]
          وقد تقدَّم في كتاب المزارعة معنى هذا الباب(4) في باب: إذا قال ربُّ الأرض أقرُّك ما أقرَّك الله وما للعلماء في ذلك(5). [خ¦2338]
          وهذا الحديث يدلُّ أنَّ عمر إنَّما أخرجهم لعداوتهم للمسلمين ونصبهم الغوائل لهم اقتداءً بالنبيِّ صلعم في إجلائه بني النضير، وأمره لهم ببيع أرضهم حين أرادوا الغدر برسول الله صلعم، وأن يلقوا عليه حجرًا مع أنَّه بلغه أنَّ النبيَّ صلعم قال عند موته: ((لَا يبقينَّ دينان بأرض العرب))، فرأى عمر إنفاذ وصيَّة النبيِّ صلعم عندما بدا منهم من فدعهم لابنه وخشي منهم أكثر من هذا.
          قال المُهَلَّب: وفيه دليلٌ على أنَّ العداوة توجب المطالبة بالجنايات كما طالبهم عمر بفدعهم ابنه ورجَّح ذلك بأن قال: (وَلَيْسَ لَنَا عَدُوٌّ غَيْرَهُمْ)، فعلَّق المطالبة بشاهد العداوة، فأخرجهم من الأرض على ما كان أوصى به النبيُّ صلعم، وإنَّما ترك عمر مطالبة اليهود بالقصاص في فدع ابنه؛ لأنَّه فُدِع ليلًا وهو نائمٌ، فلم يعرف ابن عمر أشخاص من فدعه، فأشكل الأمر كما أشكل أمر(6) عبد الله بن سهلٍ حين وداه النبيُّ(7) صلعم من عند نفسه.
          وفيه: أنَّ أفعال النبيِّ صلعم وأقواله محمولةٌ على الحقيقة على وجهها، لا على الهزل حتَّى يقوم دليل المجاز والتعريض، وإنَّما أقرَّ النبيُّ صلعم يهود خيبر على أن سالمهم(8) في أنفسهم ولا حقَّ لهم في الأرض، واستأجرهم على المساقاة ولهم شطر الثمرة، فلذلك أعطاهم عمر قيمة شطر الثمر من إبلٍ وأقتابٍ وحبالٍ يستقلُّون بها؛ إذ لم يكن لهم في رقبة الأرض شيءٌ.
          وقد استدلَّ بعض الناس من هذا الحديث أنَّ المزارع إذا كرهه ربُّ الأرض بجنايةٍ(9) بدت منه أن له أن يخرجه بعد أن يبتدئ في / العمل ويعطيه قيمة عمله ونصيبه، كما فعل عمر ☺. وقال غيره: إنَّما يجوز إخراج المساقي والمزارع عند رؤوس الأعوام وتمام الحصاد والجداد.


[1] في (ز): ((عبد الرحمن)) والمثبت من (ص).
[2] في (ص): ((لنا فقال)).
[3] في (ص): ((قال)).
[4] قوله: ((معنى هذا الباب)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((وما للعلماء في ذلك)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((كما أشكلت قصة)).
[7] قوله: ((النبي)) ليس في (ص).
[8] في (ص): ((سلمهم)).
[9] في (ص): ((لجناية)).