شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من لم يخمس الأسلاب

          ░18▒ باب مَنْ لَمْ يُخَمِّسِ الأسْلابَ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ الخَمِّسَ وَحُكْمِ الإمَامِ
          فيه: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: (بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ في الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بِغُلامَيْنِ مِنَ الأنْصَارِ، حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ بَيْنَ أصلحَ _بين أَضْلَعَ_ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، مَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ، يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ صلعم والذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأعْجَلُ مِنَّا، فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ، فَقَالَ لي مِثْلَهَا، فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ أبا جَهْلٍ يَجُولُ في النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلَا إِنَّ هَذَا صَاحِبُكُمَا الذي سَأَلْتُمَا عَنْهُ، فَابْتَدَرَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا، فَضَرَبَاهُ حَتَّى قَتَلاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إلى رَسُولِ اللهِ صلعم فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُهُ، قَالَ: هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟ قَالا: لا، فَنَظَرَ في السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: كِلاكُمَا قَتَلَهُ، سَلَبُهُ لِمُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَكَانا(1) مُعَاذَ بْنَ عَفْرَاءَ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الجَمُوحِ). [خ¦3141]
          وفيه: أَبُو قَتَادَةَ: (خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ صلعم عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ عَلا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ، حَتَّى ضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ على حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عليَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً حَتَّى وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ فقَالَ: أَمْرُ اللهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ النَّبيُّ صلعم فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَلَهُ سَلَبُهُ، فَقُمْتُ، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لي، ثُمَّ جَلَسْتُ، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهَا، فَقَالَ رَجُلٌ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَسَلَبُهُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ عَنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لاهَا اللهِ، إِذًا لا يَعْمِدُ إلى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللهِ وَرَسُولِهِ صلعم يُعْطِيكَ سَلَبَهُ، فَقَالَ النَّبيُّ صلعم: صَدَقَ، فَأَعْطَاهُ، فَبِعْتُ الدِّرْعَ، فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا في بَنِي سَلِمَةَ، وَإِنَّهُ لأوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ في الإسْلامِ). [خ¦3142]
          ووقع هذا الحديث في غزوة حنينٍ من حديث اللَّيث، عن يحيى بن سعيدٍ: كلَّا لا نعطيه أُضَيبع من قريشٍ، وندع أسدًا من أُسدِ الله، الحديث.
          اختلف الفقهاء في السَّلب، هل يُخمَّس؟ فقال الشَّافعيُّ: كلُّ شيءٍ من الغنيمة يُخمَّس إلَّا السَّلب؛ فإنَّه لا يُخمَّس. وهو قول أحمد بن حنبلٍ وجماعةٍ من أهل الحديث. وذكر ابن خَوازْ بِنداد عن مالكٍ أنَّ الإمام مخيَّرٌ فيه، إن شاء خمَّسه على الاجتهاد كما فعل عمر في سلب البراء بن مالكٍ، وإن شاء لم يخمِّسه، واختاره إسماعيل بن إسحاق، وقال إسحاق بن راهويه: إذا كثرت الأسلاب، خمِّست كما فعل عُمَر بن الخطَّاب.
          وقال مكحولٌ والثَّوريُّ: السَّلب مغنمٌ ويخمَّس. وفي «مختصر الوَقَار(2) » عن مالكٍ أنَّه يخمِّس السَّلب. وهو قول ابن عبَّاسٍ، روى الزُّهريُّ، عن القاسم بن محمَّدٍ، عن ابن عبَّاسٍ قال: السَّلب من النَّفل والنَّفل يُخمَّس.
          وحجَّة من رأى تخميسها قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ}[الأنفال:41]ولم يستثن سلبًا ولا غيره، وحجَّة من قال: لا يخمَّس حديث معاذ بن عَمْرٍو، وحديث أبي قَتادة، وليس في واحدٍ منهما تخميس الأسلاب. وعموم قوله صلعم: ((من قتل قتيلًا فله سلبه)) فملَّكه السَّلب ولم يستثن شيئًا منه. وإلى هذا ذهب البخاريُّ.
          وحجَّة من رأى تخميسها / على الاجتهاد إذا كثرت ما رواه سفيان عن أيُّوب، عن ابن سيرين، عن أنس بن مالكٍ: أنَّ البراء بن مالكٍ بارز مَرزُبَان الزَّأرة فقتله، فقوِّم سلبه ثلاثين ألفًا، فلمَّا صلَّينا الصُّبح غدا علينا عُمَر بن الخطَّاب فقال لأبي طلحة: إنَّا كنا لا نخمِس الأسلاب وإنَّ سلب البراء بلغ مالًا، ولا أرانا إلَّا خامسه، فقوَّمنا ثلاثين ألفًا فدفعنا إلى عمر ستَّة آلافٍ، فكان أوَّل سلبٍ خمِّس في الإسلام، فدلَّ فعل عمر أنَّ لهم أن يخمِسوا إذا رأى الإمام ذلك.
          واختلف العلماء في حكم السَّلب، فقال مالكٌ: لا يستحقُّ القاتل سلب قتيله إلَّا أن يرى ذلك الإمام بحضرة القتال فينادي ليحرِّض النَّاس على القتال، أو يجعله مخصوصًا لإنسانٍ إذا كان جهده. وبه قال أبو حنيفة والثَّوريُّ. واحتجَ مالكٌ بأنَّ رسول الله صلعم إنَّما قال: ((من قتل قتيلًا فله سلبه)) بعد أن برد القتال يوم حنينٍ ولم يحفظ ذلك عنه في غير يوم حنينٍ، ولا بلغني ذلك عن الخليفتين. فليس السَّلب للقاتل إلَّا أن يقول ذلك الإمام، وإلَّا فالسَلب غنيمةٌ، وحكمه حكم الغنائم؛ لأنَّ الأربعة الأخماس للغانمين والنَّفل زيادةٌ على الواجب، فلا تكون تلك الزِّيادة من الواجب بل من غيره وهو الخمس.
          وقال الأوزاعيُّ واللَّيث والشَّافعيُّ وأبو ثورٍ: السَّلب للقاتل على كلِّ حالٍ سواءً قال ذلك الإمام أو لم يقله؛ لأنَّها قضيَّةٌ قضاها رسول الله صلعم في مواطن شتَّى لا يُحتَاج إلى إذن الإمام فيها. وقد أعطى رسول الله صلعم سلب أبي جهلٍ يوم بدرٍ لمعاذ بن عَمْرٍو، فثبت أنَّ ذلك كان قبل يوم حنينٍ، خلاف قول مالكٍ.
          واحتجَّ أصحاب الشَّافعيِّ بحديث معاذ بن عَمْرِو أنَّ النَّبيَّ صلعم كان أعطاه السَّلب؛ لأنَّه كان أثخنه ومعاذ بن عفراء أجهز عليه. قالوا: وعندنا أنَّه إذا أثخن أحدهم المشرك بالضَّرب وذبحه الآخر، كان السَّلب للمثخن لا للذَّابح.
          قال المُهَلَّب: ونظره صلعم إلى سيفيهما واستدلاله منهما على أيِّهما قتله، دليلٌ أنَّه لم يعط السَّلب إلَّا لمن أثخنه، وله مزيَّة ٌفي قتله، وموضع الاستدلال منه أنَّه رأى في سيفيهما مبلغ الدَّم من جانبي السَّيفين، ومقدار عمق دخولها في جسم أبي جهلٍ، ولذلك سألهما هل مسحاهما؛ لأنَّه لو مسحاهما لتغيَّر مقدار ولوجهما في جسمه.
          وقوله: (كِلَاكُمَا قَتَلَهُ) فلو كان السَّلب مستحَقًّا بالقتل لكان يجعله بينهما؛ لأنَّهما اشتركا في قتله، ولا ينتزعه من أحدهما. فلمَّا قال لهما: (كِلَاكُمَا قَتَلَهُ) ثمَّ قضى بالسَّلب لأحدهما دون الآخر، دلَّ ذلك على ما قلناه؛ ألا ترى أنَّ الإمام لو قال: (من قتل قتيلًا فله سلبه) فقتل رجلان قتيلًا أنَّ سلبه بينهما نصفين وأنَّه ليس للإمام أن يحرمه أحدهما ويدفعه للآخر؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما له فيه من الحقِّ مثلما لصاحبه، وهما أولى به من الإمام، فلمَّا كان للنَّبيِّ صلعم في سلب أبي جهلٍ أن يجعله لأحد قاتِلَيه دلَّ أنَّه كان أولى به منهما؛ لأنَّه لم يكن قال يومئذٍ: (من قتل قتيلًا فله سلبه) قاله الطَّحاويُّ.
          وقال ابن القصَّار: لمَّا خصَّ به صلعم أحدَهما علم أنَّه غير مستحقٍّ إلَّا بعطيَّة الإمام؛ لأنَّ عطاء الإمام عندنا من الخمس، فيكون معنى قوله: (من قتل قتيلًا فله سلبه) يعني: من الخمس لا من مال الغانمين.
          واحتجَّ أصحاب الشَافعيِّ فقالوا: إنَّما أعطى السَّلب لأحدهما وإن كان قال: (كِلَاكُما قَتَلَهُ) لأنَّه استطاب نفس صاحبه، ولم ينقل ذلك، ويشهد لصحَّة هذا ما ثبت عنه صلعم أنَّه جعل السَّلب للقاتل يوم بدرٍ وغيره، روي ذلك من حديث عبد الرَّحمن بن عوفٍ، وحديث عوف بن مالكٍ، وحديث أبي قَتادة، وحديث ابن عبَّاسٍ، قالوا: لأنَّه محالٌ أن يقول: (كِلَاكُمَا قَتَلَهُ) ويقول: ((مَن قتل قتيلاَ فله سلبه)) ثم َّيعطي أحدهما إلَّا عن إذن صاحبه، كما فعل في غنائم هوازن. وبهذا التَّأويل تسلم الاحاديث من التَّعارض والاختلاف. قالوا: وحديث أبي قَتادة، يدلُّ أنَّ السَّلب من رأس الغنيمة لا من الخمس؛ لأنَّ الرَّسول صلعم أعطى أبا قَتادة سلب قتيله قبل قسمة الغنيمة / لأنَّه نفَّله حين برد القتال، ولم يقسم الغنيمة إلَّا بعد أيَّامٍ كثيرةٍ بالجعرانة.
          فأجابهم أصحاب مالكٍ والكوفيُّون، فقالوا: هذا حجَّةٌ لنا؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما قال ذلك في حديث أبي قَتادة بعد تقضِّي الحرب وقد حيزت الغنائم وهذه حالةٌ قد سبق فيها مقدار حقِّ الغانمين وهو الأربعة الأخماس على ما فرضها الله لهم؛ فينبغي أن يكون من الخمس، وإذا تقرَّر أنَّه صلى الله عليه ابتدأ فأعطى القاتل السَّلب بعد أن قال: ((ما لي ممَّا أفاء الله عليكم إلَّا الخمس وهو مردودٌ فيكم)) عُلِم أنَّ عطيَّة ذلك وغيره من الخمس المضاف إليه، ولا يكون الخمس إلَّا بعد حصول الأربعة الأخماس للغانمين.
          وما رأى الإمام أن يعطيه من أبلى واجتهد في نكاية العدوِّ، فهو ابتداء عطيَّةٍ منه؛ فينبغي ألَّا يكون من حقوق الغانمين، وأن يكون ممَّا إليه صرفه على وجه الاجتهاد وهو الخمس، كما ينفِّل من الخمس، لا من حقوق الغانمين.
          واختلفوا في الرَّجل يدَّعي أنَّه قتل رجلًا بعينه، ويدَّعي سلبه، فقالت طائفة: يُكلَّف على ذلك البيِّنة، فإن جاء بشاهدين أخذه، وإن جاء بشاهدٍ واحدٍ حلف معه وكان له سلبه، واحتجُّوا بحديث أبي قَتادة وبأنَّه حقٌّ يستحقُّ مثله بشاهدٍ ويمينٍ، وهو قول اللَّيث والشَافعيِّ، وجماعةٍ من أهل الحديث.
          وقال الأوزاعيُّ: يعطاه إذا قال إنَّه قتله ولا يُسأَل على ذلك بيِّنةً.
          وقال ابن القصَّار وغيره: إنَّ النَّبيَّ صلعم شرط البيِّنة، وأعطى أبا قَتادة سلبه على بيِّنةٍ، وذلك بشهادة رجلٍ واحدٍ دون يمينٍ؛ فعُلِم أنَّه لم يُعطَه لأنَّه استحقَّه بالقتل لأنَّ المغانم له أن يعطي منها ممَّا يبقى لمن شاء ويمنع من شاء؛ لقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}الآية[الحشر:7]والمغانم خلاف الحقوق التي لا تُستَحقُّ إلَّا بإقرارٍ أو شاهدين.
          وقال أصحاب الشَّافعيِّ: إنَّ النَّبيَّ صلعم لم يعطه أبا قَتادة إلَّا ببيِّنةٍ؛ لأنَّه أقرَّ له به من كان حازه لنفسه في القتال، فصدَّق أبا قَتادة، وقال أبو بكرٍ الصِّدِّيق ما قال، وأضاف السَّلب إليه؛ فحصل شاهدان له.
          وأيضًا فإنَّ كلَّ من في يده شيءٌ فإقراره به لغيره يقوم مقام البيِّنة.
          قال المُهَلَّب: في حديث أبي قَتادة من الفقه جواز كلام الوزير وردِّ سائر الأمر قبل أن يعلم جواب الأمير، كما فعل أبو بكرٍ حين قال: (لَا هَا اللهِ)، وقال ثابتٌ في «غريب الحديث»: قال أبو عثمان المازنيُّ: من قال: لا ها الله إذًا، فقد أخطأ، إنَّما هو: لا ها الله ذا. أي: ذا يميني وذا قسمي. وقال أبو زيدٍ: يقال: لا ها الله ذا، ولا ها الله ذا(3)، وذا صلةٌ في الكلام وليس من كلامهم: لا ها الله إذًا. وقال غيره: هو مثل قول زهير:
تَعَلَّمَنْ هَا(4) لَعَمْرُ اللهِ ذَا قَسَمًا
          وقوله: (فَابْتَعتُ بِهِ مَخْرَفًا). قال أبو حنيفة اللُّغويُّ: إذا اشترى الرَّجل نخلتين أو ثلاثًا إلى العشر يأكلهنَّ قيل: قد اشترى مخرفًا جيِّدًا، والخرائف للنَّخل التي يخترفن، واحدها خَرُوفَةٌ وخَرِيفَةٌ والمِخْرَف _بكسر الميم_ الزَّنْبِيل الذي يُختَرف فيه، والخارف اللَّاقط والحافظ للنَّخل.
          وقوله في حديث عبد الرَّحمن بن عوفٍ: (تَمَنَّيتُ أَنْ أَكُونَ بَينَ أَصلَحَ مِنهُما) هكذا رواه مُسَدَّدٌ، عن يوسف بن الماجِشُون، ورواه إبراهيم بن حمزة الزُّبيريُّ وموسى بن إسماعيل وعفَّان(5) عن يوسف بن الماجِشون: (تَمَنَّيتُ أَنْ أَكُونَ بَينَ أَضْلَعَ مِنهُمَا) وهو أشبه بالمعنى. ورواية ثلاثة حفَّاظٍ أولى من رواية واحدٍ خالفهم.
          وأمَّا حديث إبراهيم بن حمزة فرواه الطَّحاويُّ عن أبي داود عنه.
          وحديث موسى بن إسماعيل رواه ابن سَنْجَر عنه، وحديث عفَّان رواه ابن أبي(6) شيبة عنه.
          وأمَّا رواية اللَّيث في حديث أبي قَتادة: كَلَّا لَا نُعطِيهِ أُضَيبِعَ مِنْ قُرَيشٍ، فيمكن أن يكون معناه _والله أعلم_ ما ذكره الخطَّابيُّ أنَّ عُتْبَةُ بن ربيعة نهى يوم بدرٍ عن القتال وقال: يا قوم اعصبوها / برأسي وقولوا: جبن عتبة، وقد تعلمون أنِّي لست بأجبنكم. فقال أبو بكرٍ: والله لو غيرك قالها لأعضَضْتُه، قد مُليء جوفه رعبًا. فقال عتبة: أَوَلِي تعني يا مُصَفِّرَ اسْتِهِ، ستعلم أيُّنا اليوم أجبن، في حديث طويلٍ.
          قال الخطَّابيُّ: قوله: يا مُصَفِّر استه قيل: إنَّه نسبه إلى التَّوضيع والتَّأنيث، وقيل: إنَّه لم يرد به ذلك، وإنَّما هي كلمةٌ تقال للرَّجل المترف الذي يؤثر الرَّاحة ويميل إلى التَّنعيم.
          قال المؤلِّف: قال لي بعض أهل اللُّغة: إنَّما سمِّي أُصَيِبغ؛ لأنَّه كانت له شامةٌ يصبغها(7).


[1] في (ص): ((كانَ)) والمثبت من المطبوع.
[2] الوَقَار: هو محمد بن أبي يحيى زكريا الوقار (ت: 269هـ).
[3] قوله ((ولا ها الله ذا)) كذا في (ص) وكأنها مكررة.
[4] في (ص): ((تعلمتها)) والتصويب من كتاب سيبويه: 3/500.
[5] في (ص): ((عثمان)) والمثبت من المطبوع.
[6] قوله: ((أبي)) ليس في (ص) والمثبت من المطبوع.
[7] في عبارة المصنف اختصار موهم وتوضيحه في عبارة التوضيح وهي: ((وأمَّا رواية الليث السالفة في حديث أبي قتادة: (كلا والله لا نعطيه أصيبغ من قريش). أصيبغ: بالصاد المهملة، والغين المعجمة. قيل: معناه: أسيود كأنه غيره بلونه. وقيل: بالضاد المعجمة والعين المهملة كأنه تصغير: ضبع على غير قياس)).