شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كيف قسم النبي قريظة والنضير؟وما أعطى من ذلك في نوائبه

          ░12▒ باب كَيْفَ قَسَمَ / النَّبيُّ صلعم قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيَر، وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ في نَوَائِبِهِ.
          فيه: أَنَسٌ: (كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلعم النَّخَلاتِ، حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ). [خ¦3128]
          قوله: (كَانَ الرَّجلُ يَجعلُ للنَّبيِّ صلعم النَّخَلاتِ) والرَّجل: الثَّلاثَ(1)، كلُّ واحدٍ على قدر جدته وطيب نفسه، مواساةً للنَّبيِّ صلعم ومشاركةً له لقوته، وهذا من باب الهديَّة لا من باب الصَّدقة؛ لأنَّها محرَّمةٌ عليه، وأمَّا سائر المهاجرين فكانوا قد نزل كلُّ واحدٍ منهم على رجلٍ من الأنصار فواساه وقاسمه، فكانوا كذلك إلى أن فتح الله الفتوح على الرَّسول صلعم، فردَّ عليهم ثمارهم، فأوَّل ذلك النَّضير كانت ممَّا أفاء الله على رسوله صلعم ممَّا لم يوجف عليه بخيلٍ ولا ركابٍ، وانجلى عنها أهلها بالرُّعب، فكانت خالصةً لرسول الله صلعم دون سائر النَّاس، وأنزل الله فيهم: {وَمَا أَفَاء اللهُ على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ}[الحشر:6]فحبس منها رسول الله صلعم لنوائبه وما يعروه، وقسم أكثرها في المهاجرين خاصَّةً دون الأنصار، وذلك أنَّ النَّبيَّ صلعم قال للأنصار: ((إن شئتم قسمت أموال بني النَّضير بينكم وبينهم، وأقمتم على مواساتكم في ثماركم، وإن شئتم أعطيتها المهاجرين دونكم، وقطعتم عنهم(2) ما كنتم تعطونهم من ثماركم)). قالوا: بل تعطيهم دوننا ونقيم على مواساتهم، وأعطى رسول الله صلعم المهاجرين دونهم فاستغنى القوم جميعًا، استغنى المهاجرون بما أخذوا، واستغنى الأنصار بما رجع إليهم من ثمارهم.
          وأمَّا قريظة فإنَّها نقضت العهد بينها وبين النَّبيِّ صلعم، وتحزَّبت مع الأحزاب، وكانوا كما قال الله فيهم: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ}[الأحزاب:10]قريظة، ولم يكن بينهم وبين النَّبيِّ صلعم خندقٌ {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ} الأحزاب {وَإِذْ زَاغَت الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}[الأحزاب:10]فأنزل الله نصره، وأرسل الرِّيح على الأحزاب فلم تدع بناءً إلَّا قلعته، ولا إناءً إلَّا قلبته، فانصرفوا خائبين كما قال الله تعالى: {وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا}الآية[الأحزاب:25]. فلمَّا انصرف رسول الله صلعم من الأحزاب سار إلى قريظة، فحاصرهم، حتَّى نزلوا على حكم سعدٍ، فحكم فيهم بأن تُقتَل المقاتلة، وتُسبى الذُّرِّيَّة، فقسمها النَّبيُّ صلعم في أصحابه، وأعطى من نصيبه في نوائبه.
          قال إسماعيل بن إسحاق: وزعموا أنَّ هذه الغنيمة أوَّل غنيمةٍ قسمت على السِّهام، جعل للفرس ولصاحبه ثلاثة أسهمٍ، وللرَّاجل سهمٌ.


[1] كأن هنا سقطًا يوضحه عبارة ابن الملقن في «التوضيح» وهي: ((يريد _والله أعلم_ أن الأنصار كان الرجل منهم يعطي رسول الله صلعم النخلة والرجل النخلتين والرجل الثلاث)).
[2] في (ص): ((عنها)) والمثبت من المطبوع.