شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا بعث الإمام رسولًا في حاجة أو أمره بالمقام هل يسهم له

          ░14▒ باب إِذَا بَعَثَ الإمَامُ رَسُولًا فِي حَاجَةٍ(1) أَوْ أَمَرَهُ بِالْمُقَامِ عَلَيهَا هَلْ يُسْهَمُ لَهُ
          فيه ابْنُ عُمَر قَالَ: (إِنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ، فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ النَّبيِّ صلعم وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلعم: إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ). [خ¦3130]
          اختلف العلماء فيمن لم يشهد الوقعة، هل يسهم له؟ فذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنَّه من بعثه الإمام في حاجةٍ حتَّى غنم الإمام أنَّه يسهم له، وكذلك المدد يلحقون أرض الحرب بعد الغنيمة أنَّهم شركاؤهم فيها، وأخذوا بحديث ابن عمرٍ.
          قالوا: وقد ذكر أهل السِّير أنَّ الرَّسول صلعم بعث سعيد بن زيدٍ في حاجةٍ له وأمر طلحة بالمقام في مكانٍ ذكره له وأسهم لهما، وقال لهما: ((لكما أجر من شهد)).
          وذهب مالكٌ والثَّوريُّ واللَّيث والأوزاعيُّ والشافعي وأحمد وأبو ثورٍ إلى أنَّه لا يسهم إلَّا لمن شهد القتال، وبذلك حكم عُمَر بن الخطَّاب وكتب به إلى عمَّاله بالكوفة، واحتجَّ هؤلاء بحديث أبي هريرة: ((أنَّه قدم على النَّبيِّ صلعم وهو بخيبر بعد ما فتحوها، فقلت: أسهم لي. فقال بعض بني سعيد بن العاص: لا تسهم له يا رسول الله)) فذكر الحديث.
          قال الطَّحاويُّ: وحجَّة أهل المقالة الأولى أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((إنَّ عثمان انطلق في حاجة الله ورسوله)) فضرب له(2) بسهمٍ ولم يضرب لأحدٍ غيره.
          قال: أفلا ترى أنَّه لمَّا كان غائبًا في حاجة الله ورسوله صلعم جعله رسول الله صلعم كمن حضرها، فكذلك كلُّ من غاب عن وقعة المسلمين بأهل الحرب لشغلٍ شغله به الإمام من أمور المسلمين، فهو كمن حضرها.
          وأمَّا حديث أبي هريرة فوجهه عندنا أنَّ النَّبيَّ صلعم وجَّه أبانًا إلى نجدٍ قبل أن يتهيَّأ خروجه إلى خيبر، ثمَّ حدث من خروج النَّبيِّ صلعم إلى خيبر ما حدث، فكان ما غاب فيه أَبَانٌ من ذلك، ليس هو لشغلٍ شغله النَّبيُّ صلعم عن حضور خيبر بعد إرادته إيَّاها فيكون كمن حضرها، فهذان الحديثان أصلان لكلِّ من أراد الخروج مع الإمام إلى قتال العدوِّ فردَّه الإمام عن ذلك بأمرٍ آخر من أمور المسلمين، فتشاغل به حتَّى غنم الإمام، فهو كمن حضر يسهم له، وكلُّ من تشاغل بشغل نفسه أو شغل المسلمين ممَّا كان دخوله فيه متقدِّمًا، ثمَّ حدث للإمام قتال عدوٍّ، فتوجَّه له، فغنم، فلا حقَّ للرَّجل في الغنيمة، وهو ليس(3) كمن حضرها.
          واحتجَّ أهل المقالة الثَّانية فقالوا: إنَّ إعطاء النَّبيِّ صلعم لعثمان وهو لم يحضر بدرًا خصوصٌ له؛ لأنَّ الله تعالى جعل الغنائم لمن غنمها، والدَّليل على خصوصه قوله صلعم لعثمان: ((لك أجر رجلٍ ممَّن شهد بدرًا وسهمه)) وهذا لا سبيل أن يعلمه غير النَّبيِّ صلعم.
          وذكر الطَّبريُّ عن قومٍ من أهل العلم قالوا: إنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما أعطى عثمان يوم بدرٍ من سهمه صلعم من الخمس، واحتجُّوا بقوله صلعم يوم خيبر: ((ما لي ممَّا أفاء الله عليكم إلَّا الخمس، وهو مردودٌ فيكم)) فدلَّ ذلك أنَّه صلعم(4) لم يعط أحدًا ممَّن لم يشهد الوقعة من الغنيمة، وإنَّما أعطاه من نصيبه.


[1] في (ص): ((جباية)) والمثبت من المطبوع.
[2] في (ز): ((لهم)) والمثبت من المطبوع.
[3] قوله: ((ليس)) ليس في (ص) والمثبت من المطبوع.
[4] زاد في (ص): ((أنَّه)).