شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما مَنَّ النبي على الأسارى من غير أن يخمس

          ░16▒ باب: المَنِّ على الأَسَارَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمَّسُوا
          فيه: جُبَيْرٌ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم قَالَ في أُسَارَى بَدْرٍ: لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي في هَؤُلاءِ السَّبي لَتَرَكْتُهُمْ). [خ¦3139]
          هذا الحديث حجَّةٌ في جواز المنِّ على الأسارى، وإطلاقهم بغير فداءٍ، خلاف قول بعض التَّابعين؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم لا يجوز في صفته أن يخبر عن شيءٍ لو وقع لفعله وهو غير جائزٌ.
          قال المُهَلَّب: وفيه جواز التَّشفيع للمذنبين الشَّريف على سبيل الاستئلاف له، والانتفاع بإشفاعه في ردِّ عادته المشركين بأكثر ما يخشى من ضدِّ المطلقين لطاعتهم لسيِّدهم المشفَّع بهم، وهو نظرٌ من الرَّسول صلعم، وأنَّ الانتفاع بالمنِّ عليهم أكثر من قتلهم أو استرقاقهم.
          قال المؤلِّف: وقوله (باب: المَنِّ عَلَى الأَسَارَى مِنْ غَيرِ أَنْ يُخَمِّسُوا) فيه حجَّةٌ لما ذكره ابن القصَّار عن مالكٍ وأبي حنيفة أنَّ الغنائم لا يستقرُّ ملك الغانمين عليها بنفس الغنيمة إلَّا بعد قسمة الإمام لها. وحكي عن الشَّافعيِّ أنَّهم يملكون بنفس الغنيمة.
          قال المؤلِّف: والحجَّة للقول الأوَّل هذا الحديث، وذلك أنَّه صلعم لو منَّ على الأسارى سقط سهم من له الخمس كما سقط سهم الغانمين.
          وقوله صلعم: (لَترَكْتُهُم لَهُ) يقضي ترك جميعهم لا ترك بعضهم.
          واحتجَّ ابن القصَّار فقال: لو ملكوا بنفس الغنيمة لكان من له أبٌ أو ولدٌ ممَّن يعتق عليه إذا ملكه يجب أن يعتق عليه بنفس الغنيمة، ويحاسب به من سهمه، وكان يجب لو تأخرت القسمة في العين والورق ثمَّ قسمت أن يكون حول الزَّكاة على الغانمين يوم غنموا.
          وفي اتِّفاقهم أنَّه لا يعتق عليهم من يلزمهم عتقه إلَّا بعد القسمة، ولا يكون حول الزَّكاة إلَّا من يوم حاز نصيبه بالقسمة أنَّه لا يملك بنفس الغنيمة، ولو ملك بنفس الغنيمة لم يجب عليه الحدُّ إذا وطئ جاريةً من المغنم قبل القسمة.
          واحتجَّ أصحاب الشَّافعيِّ فقالوا: لو ترك السَّبي لمطعم بن عديٍّ كان يستطيب أنفس أصحابه الغانمين، كما فعل في سبي هوازن؛ لأنَّ الله أوجب لهم ملك الغنائم إذا غنموها بقوله: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ}[الأنفال:41]فأضافها إليهم.
          وأمَّا قولهم: لو ملكوا بنفس الغنيمة، فكان من له أبٌ أو ولدٌ يعتق بنفس الغنيمة، ولا حجَّة فيه؛ لأنَّ السُّنَّة إنَّما وردت فيمن أعتق شقصًا له في عبدٍ معيَّنٍ قد ملكه وعرفه بعينه، فأمَّا ما لا يعرف بعينه فلا يشبه عتق الشَّريك.
          ألا ترى أنَّ الشَّريك له أن يعتق كما يعتق صاحبه، وفي إجماعهم أنَّه يعتق على الشَّريك الموسر في المعتق، وإجماعهم أنَّه لا يعتق عليه / في شركته في الغنيمة دليلٌ واضحٌ على الفرق بينهما.
          وأمَّا قوله أنَّه يجب أن يكون حول الزَّكاة من وقت الغنيمة لو كان ملكًا فخطأٌ بيِّنٌ على مذهب المالكيِّين وغيرهم؛ لأنَّ العوائد لا يراعى حولها عندهم إلَّا من يوم يصير بيد صاحبه، وأمَّا اعتلالهم بوجوب الحدِّ على من وطئ من المغنم قبل القسمة فلا معنى له؛ لأنَّ الحدود تدرأ بالشُّبهات، ولا خلاف بين العلماء أنَّه لو وطئ جاريةً معيَّنةً بينه وبين غيره لم يحدَّ، فكيف ما لا يتعيَّن؟