شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام وأنه يعطي بعض قرابته

          ░17▒ باب وَمِنَ الدَّلِيلِ على أَنَّ الْخُمُسَ لِلإمَامِ
          وَأَنَّهُ يُعْطِي بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ مَا قَسَمَ النَّبيُّ صلعم لِبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ
          قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَمْ يَعُمَّهُمْ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَخُصَّ قَرِيبًا دُونَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الذي أَعْطَى لِمَا يَشْكُو إِلَيْهِ مِنَ الْحَاجَةِ وَلِمَا مَسَّهُمْ في جَنْبِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ.
          فيه: جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ: (مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ إلى النَّبيِّ صلعم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: إِنَّمَا بَنُو عَبدِ الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ). [خ¦3140]
          قال الخطَّابيُّ: سيٌّ أي مثلٌ.
          قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِم ا لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلا لِبَنِي نَوْفَلٍ.
          قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَعَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لأمٍّ، وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ، وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لأبِيهِمْ.
          قال المؤلِّف: هذا الباب ردٌّ لقول الشَّافعيِّ أيضًا أنَّ سهم ذي القربى خمس الخمس يقسم بينهم لا يفضل فقيرٍ على غنيٍّ.
          قال إسماعيل بن إسحاق: وليس في هذا الباب أنَّه صلعم قسم بينهم خمس الخمس، وقد يجوز أن يقسم بينهم أكثر وأقلَّ؛ لأنَّه لم يخصَّ في الحديث مبلغ سهمهم كم هو، وإنَّما قصد في الحديث الفرق بين بني هاشم وبني المطَّلب، وبين سائر بني عبد منافٍ.
          وهذا الحديث يردُّ قول ابن عبَّاسٍ حين كتب إليه نجدةَ يسأله عن سهم ذي القربى ومن هم؟ قال: هم قرابة الرَّسول صلعم، ولكن أبى علينا قومنا فصبرنا، ألا ترى أنَّ ابن عبَّاسٍ لم يظلم من أبى ذلك عليه، فدلَّ أنَّ ما أريد به مع ذلك بقرابة رسول الله صلعم بعضهم دون بعضٍ، وجعل الرَّأي في ذلك إلى رسول الله صلعم يضعه فيمن شاء منهم، وهم أهل الفقر والحاجة خاصَّةً، وكذلك قال عُمَر بن الخطَّاب: إنَّما جعل الخمس لأصنافٍ سمَّاهم، فأسعدهم فيه حظًّا أشدُّهم فاقةً وأكثرهم عددًا.
          وذكر الطَّحاويُّ بإسناده عن الحسن بن محمَّد بن عليٍّ قال: اختلف النَّاس بعد وفاة النَّبيِّ صلعم في سهم ذي القربى، فقال قومٌ: هو لقرابة الخليفة، وقال قومٌ: سهم النَّبيِّ صلعم هو للخليفة من بعده ثمَّ أجمع رأيهم أن يجعلوا هذين السَّهمين في العُدَّة والخيل في سبيل الله، فكان ذلك إمارة أبي بكرٍ وعمر.
          قال الطَّحاويُّ: أفلا ترى أنَّ ذلك ممَّا قد أجمع عليه الصَّحابة، ولو كان ذلك لقرابة رسول الله صلعم لما منعوا منه، ولما صرف إلى غيرهم، ولا خفي ذلك عن الحسن بن محمَّدٍ مع علمه وتقدُّمه.
          وهذا يردُّ قول من زعم أنَّ لذي القربى سهمًا مفروضًا من الخمس، وقد تقدَّم هذا المعنى في باب درع النَّبيِّ صلعم وعصاه وسيفه. [خ¦2915]
          وزعم الشَّافعيُّ أنَّه يعطى الرَّجل من ذوي القربى سهمين والمرأة سهمًا.
          وخالفه أصحابه: المزنيُّ، وأبو ثورٍ، وجميع النَّاس وقالوا: الذَّكر والأنثى في ذلك سواءٍ. وهذا هو الصَّحيح؛ لأنَّهم إنَّما أعطوا بالقرابة، وذلك لا يوجب التَّفضيل، كما لو أوصى الرَّجل لقرابته بوصيَّةٍ، لم يعط الذَّكر مثل حظِّ الأنثيين؛ لأنَّهم إنَّما أعطوا باللَّفظ الذي أوجب لهم ذلك، فأمَّا المواريث فإنَّ الله تعالى قسمها بين أهلها على أمورٍ مختلفة، جعل للوالدين في حالٍ شيئًا وفي حالٍ غيره، والأولاد إذا كانوا ذكورًا وإناثًا شيئًا، / وإذا كنَّ إناثًا غير ذلك، وكذلك الإخوة والأخوات.
          وهذا الحديث حجَّة للشَّافعيِّ أنَّ ذا القربى الذي يسهم لهم من الخمس هم بنو هاشمٍ وبنو المطَّلب أخي هاشمٍ خاصَّةً دون سائر قرابته صلعم وبه قال أبو ثورٍ، وقال ابن الحنفيَّة: سهم ذي القربى هو لنا أهل البيت.
          وروى عُمَر بن عبد العزيز أنَّهم بنو هاشم خاصَّةً. وقال أصبغ بن الفرج: اختلف في ذلك، فقيل: هم قرابة الرَّسول صلعم، وقيل: قريش كلُّها. قال: ووجدت معاني الآثار أنَّهم آل محمَّدٍ صلعم. وقد تقدَّم في كتاب الزَّكاة اختلافهم في آل محمَّد صلعم الذين لا تحلُّ لهم الصَّدقة. [خ¦1491]