شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {فأن لله خمسه وللرسول}

          ░7▒ باب قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}[الأنفال:41]
          يعني: ولِلرَّسُولِ قَسْمَ ذَلِكَ، قَالَ صلعم: (إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ خَازِنٌ، وَاللهُ يُعْطِي).
          فيه: جَابِرٌ: (وُلِدَ لِرَجُلٍ / غُلامٌ، فَأَرَادَ أَنْ يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا، فقَالَ النَّبيُّ صلعم: سَمُّوا بِاسْمِي، وَلا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، إِنَّمَا جُعِلْتُ قَاسِمًا، وبُعِثتُ قاسمًا أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ). [خ¦3114]
          وقال جَابِرٌ: (وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلامٌ، فَسَمَّاهُ الْقَاسِمَ، فَقَالَتِ الأنْصَارُ: لا نَكْنِيكَ أَبَا الْقَاسِمِ، وَلا نُنْعِمُكَ عَيْنًا، فَأَخْبَرَ النَّبيُّ صلعم فَقَالَ: أَحْسَنَتِ الأنْصَارُ، سَمُّوا بِاسْمِي، وَلا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي، فَإِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ). [خ¦3115]
          وفيه: مُعَاوِيَةُ، قَالَ صلعم: (مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ، وَاللهُ الْمُعْطِي، وَأَنَا الْقَاسِمُ). [خ¦3116]
          وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَنِ الرَّسُولِ صلعم: (إِنَّمَا أَنَا قَاسِمٌ أَضَعُ حَيْثُ أُمِرْتُ). [خ¦3117]
          وفيه: خَوْلَةُ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللهِ بِغَيْرِ الحَقِّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). [خ¦3118]
          وغرض البخاريِّ في هذا الباب أيضًا الرَّدُّ على من جعل للنِّبيِّ صلعم خمس الخمس ملكًا استدلالًا بقوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}[الأنفال:41]وهو قول الشَّافعيِّ.
          قال إسماعيل بن إسحاق: وقد قيل في الغنائم كلِّها لله وللرَسول صلعم، كما قيل في الخمس لله وللرَّسول صلعم، أفكانت الأنفال كلُّها للنَّبيِّ صلعم بل علم المسلمون أنَّ الأمر فيها مردودٌ إليه، فقسمها صلعم وكان فيها كرجلٍ من المسلمين، بل لعلَّ ما أخذ من ذلك أقلُّ من حظِّ رجلٍ، بلغنا أنَّه تنفَّل سيفه ذا الفقار يوم بدرٍ، وقيل: جملًا لأبي جهلٍ، وقد علم كلُّ ذي عقلٍ(1) أنَّه لا يشرك بين الله ورسوله صلعم وبين أحدٍ من النَّاس، وأنَّ ما كان لله ولرسوله صلعم، فالمعنى فيه واحدٌ؛ لأنَّ طاعة الله طاعةُ رسوله صلعم.
          وسئل الحسن بن محمَّد بن عليٍّ عن قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}[الأنفال:41]قال: هذا مفتاح كلام الله، الدُّنيا والآخرة.
          قال المُهَلَّب: وإنَّما خُصَّ بنسبة الخمس إليه صلعم؛ لأنَّه ليس للغانمين فيه دعوى، وإنَّما هو إلى اجتهاد الإمام، فإن رأى رفعه في بيت المال لما يخشى أن ينزل بالمسلمين رفعه، أو يجعله فيما يراه، وقد يقسم منه للغانمين، كما أنَّه يعطي من المغانم لغير الغانمين، كما قسم لجعفرٍ وغيره ممَّن لم يشهد الوقعة، فالخمس وغيره إلى قسمته صلعم واجتهاده، وليس له في الخمس ملكٌ، ولا يتملَّك من الدُّنيا إلَّا قدر حاجته، وغير ذلك كلُّه عائدٌ على المسلمين، وهذا معنى تسميته بقاسمٍ، وليست هذه التَّسمية بموجبةٍ ألَّا تكون أثرةٌ في اجتهاده لقومٍ دون قومٍ.
          وقوله: (أَحسَنَتِ الأَنْصَارُ) يعني: في تعزيز نبيِّها، وتوقيره من أن يُشارَك في كنيته، فيدخل عليه النَّعت عند النِّداء بغيره لتشوُّفه إلى الدَّاعي، كما عرض له في السُّوق، فنهى عن كنيته، وأباح اسمه للبركة المرجوَّة منه، ولما(2) في التَّسمية من الفأل الحسن؛ لأنَّه من معنى الحمد؛ ليكون محمودًا من تسمَّى باسمه صلعم.
          وقوله: (لَا أُعطِيكُم، وَلَا أَمنَعُكُم) يقول: الله يعطي في الحقيقة، وهو يمنع، وإنَّما أعطيكم بقدر ما يسرُّني الله له.
          ومعنى حديث خولة في هذا الباب أنَّ من أخذ من المقاسم شيئًا بغير قسم الرَّسول صلعم؟ أو الإمام بعده، فقد تخوَّض في مال الله بغير حقٍّ، ويأتي بما غلَّ يوم القيامة.
          وفيه ردعٌ للولاة والأمراء أن يأخذوا من مال الله شيئًا بغير حقِّه، ولا يمنعوه من أهله.


[1] قوله: ((ذي)) ليس في (ص) والمطبوع والمثبت من التوضيح.
[2] قوله: ((ولما)) غير واضحة في (ص) وبيض لها في المطبوع والمثبت من التوضيح.