عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب قصاص المظلوم إذا وجد مال ظالمه
  
              

          ░18▒ (ص) باب قِصَاصِ الْمَظْلُومِ إِذَا وَجَدَ مَالَ ظَالِمِهِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ حكمِ قصاص المظلوم الذي أُخِذَ منه المال.
          (إِذَا وَجَدَ) يعني: إذا ظفر بمال الذي ظلمه، وجواب (إِذَا) محذوفٌ تقديره: هل يأخذ منه بقدر حقِّه؟ يعني: يأخذ.
          واكتفى بذكر أثر ابن سِيرِين عَن ذكر الجواب، واستمرَّت عادته على هذا الوجه، وهي مسألة الظفر، وفيها خلافٌ وتفصيل؛ فقال ابن بَطَّالٍ: اختلف العلماء في الذي يجحد وديعة غيره، ثُمَّ المُودَع يجد له مالًا، هل يأخذه عوضًا مِن حقِّه؟ فروى ابن القاسم عَن مالكٍ: أنَّهُ لا يفعل، وروى عنه: أنَّ له أن يأخذ حقَّه إذا وجده مِن ماله إذا لم يكن فيه شيءٌ مِنَ الزيادة، وهو قول الشَّافِعِيِّ، وقال النَّوَوِيُّ: مَن له حقٌّ على رجلٍ وهو عاجزٌ عَن استيفائه يجوز له أن يأخذ مِن ماله قدر حقِّه بغير إذنه، وهذا مذهبنا، ومنع مِن ذلك أبو حنيفة ومالك، وقال ابن بَطَّالٍ: وروى ابن وَهْب عَن مالكٍ: أنَّهُ إذا كان على الجاحد للمال دَينٌ فليس له أن يأخذ إلَّا مقدارَ ما يكون فيه إسوة الغرماء، وعن أبي حنيفة: يأخذ مِنَ الذهب الذهبَ، ومِنَ الفضَّة الفضَّةَ، ومِنَ المكيل المكيلَ، ومِنَ الموزون الموزونَ، ولا يأخذ غير ذلك، وقال زُفَر: له أن يأخذ العرض بالقيمة انتهى.
          قُلْت: مذهبنا أنَّهُ إذا ظفر بجنس حقِّه فله أن يأخذه، وإلَّا فلا.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: يُقَاصُّهُ، وَقَرَأَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}[النحل:126].
          (ش) أي: قال مُحَمَّد بن سِيرِين إذا وجد مال ظالمه يُقاصُّه _بالتشديد_ وأصله: يقاصصه، أراد: يأخذ مثل / ماله، وهذا التعليق وصله عبد بن حُميد في «تفسيره» مِن طريق خالد الحذَّاء عنه بلفظ: إن أخذ أحدٌ منك شيئًا فخذ مثله.
          قوله: (وَقَرَأَ) إشارةٌ إلى أنَّهُ احتجَّ فيما ذهب إليه بقولِهِ تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ}[النحل:126]، يعني: لا يزيد ولا ينقص.